أزمة الغاز والبرد القارس صراع السوريين في هذا الزمن
نور ملحم
لم تكن قطرات المطر التي بدأت بالهطول في "شوارع دمشق" وأزقتها سوى إيذان بمعاناة جديدة لأم عبد، فلم تكد هذه الأرملة تخرج بسلام مع أطفالها من منطقة "حرستا"، بعد أن اُحتجزت لسنوات، ها هي تدخل في صراع مع فصل الشتاء، ليُنغص عليها سعادتها بالحصول على شقة في إحدى البنايات التي مازالت قيد الإنشاء في أحد الأحياء المهدمة.
وعلى الرغم من افتقاد شقتها لأدنى مقومات الحياة الضرورية من تمديدات ماء وكهرباء وتدفئة، إلا أنها كانت راضية وممتنة لحصولها على هذا المأوى الذي خلصها من هاجس التشرد .
تقول "أم عبد" لـ "جريدتنا": «لقد كانت سعادتي لا توصف بالحصول على هذا المسكن في البداية، أما الآن، ومع تسلل البرد إلى الشقة، بدأت أشعر بأن كارثة على وشك اللحاق بنا ولا أملك سوى هذه الأغطية لاتقاء شرها».
وتشير بيدها إلى مجموعة من الأغطية الرقيقة التي تبرعت فيها بعض المنظمات الإغاثية، حيث خصصت منها فقط اثنين للتدفئة وتركت الاثنين الآخرين لتسد فيها الرياح القادمة من الفتحات الكبيرة المخصصة للنوافذ داخل الجدران.
عائلة "أم عبد" إحدى آلاف العائلات السورية نفسها مشردة ودون أدنى مقومات الحياة في مواجهة البرد والصقيع في ظل شح مقومات التدفئة.
الكثير يقف لساعات في طوابير طويلة وتحت الأمطار للحصول على بعض الوقود الباهظ الثمن لتشغيل أجهزة التدفئة لدرء البرد القارس خلال فصل الشتاء.
يقول العم "أبو فؤاد" لـ "جريدتنا" «لن أنسى الليالي القاسية والباردة التي قضيتها وأنا أقف في الطابور الطويل للحصول على أسطوانة الغازمن أجل أحفادي الصغار».
وبحسب تعبير العم ذو السبعين من العمر «ضيق الحال أهون من البرد القارس الذي لم يرحم أحداً».
تتفاقم أزمة نقص مادة الغاز المنزلي في شتاء كلّ عام نتيجةً لاستخدامه في التدفئة بشكل رئيسي جراء انقطاعات مستمرة للتيار الكهربائي وانخفاض كمّيات المازوت وارتفاع تكلفة الحطب.
ويُقدّر الاستهلاك اليومي للمحافظات السورية بـ 110 آلاف أسطوانة غاز في الأحوال الطبيعية منها 40 ألف اسطوانة للعاصمة "دمشق"، وتتضاعف حوالي ثلاثة مرات خلال فصل الشتاء، يُغطّي ثلثها الإنتاج المحلّي والباقي يُستقدم استيراداً.
التسعيرة الرسمية لأسطوانة الغاز 2800 ليرة سورية، إلّا أنّها نادرة الوجود في هذه الأجواء الباردة، ويختلف سعرها في السوق السوداء مُضاعفةً، حيث تُباع الاسطوانة الواحدة حالياً في مدينة دمشق بـ 12 ألف ليرة سورية، وفي اللاذقية وطرطوس بـ 10 آلاف ليرة.
بالمقابل، فإن «اختلاف واقع السيطرة على حقول الغاز وتغيّره في اللحظة والأخرى يترك آثراً سلبياً على حياة المواطن بالدرجة الأولى لا سيما وأنّ المادّة ذاتها من أهم عوامل تأجيج الصراع واختلاف قواعده»، وفقاً لما يراه الكثير من المراقبين.
البيانات "الرسمية" الأخيرة تُشير إلى إنتاج 15.5 مليون متر مكعب يومياً هذا العام، وسيرتفع إلى 23.3 مليون متر مكعب في العام المقبل، ثم إلى 24.8 مليون في 2020، وهو أعلى مُعدّلاته بزيادة نسبتها 16.6% على إنتاج ما قبل الحرب، إلّا أن ذلك يُعدّ تناقضاً واضحاً لو كان صحيحاً نظراً لما شهدته سوريا من أزمّات انعدام المادة من أسواقها واختناقات غير مسبوقة وفقاً لتدني عدد السكان.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: