بالأرقام: «حوالات السوريين».. شريان حياة البلاد
عشتار محمود
6,6 مليون سوري لاجئ مسجّل في الإقليم وصولاً إلى أوروبا... وعدا هؤلاء الملايين هنالك الرقم غير المعروف بدقة حول عدد المهاجرين السوريين والحاصلين على إقامات عمل، وكل هؤلاء السوريين المتغربين هم بالنسبة للبلاد شريان حياة يمدّها في الظروف الصعبة عبر منظومة الحوالات، التي تستفيد منها حلقات كثيرة قبل أن تصل للأهالي المنتظرين!
تحويلات السوريين من الخارج وصلت لـ 20% من الناتج
في عام 2010 كان مجموع تعويضات العاملين من الخارج وحوالات المهاجرين تشكل مجتمعة: 87 مليار ليرة أي ما يعادل في حينها: 1,8 مليار دولار. هذا الرقم الكبير نسبياً كان يساهم مساهمة هامة في جعل (صافي التحويلات الجارية للقطع الأجنبي) موجب وليس سالب، يشكّل نسبة لا تتعدى 1.6% من الناتج السوري في ذلك الحين. أمّا اليوم فإن حصيلة التحويلات قد ازدادت أهميتها كثيراً وأصبحت لاعباً أساسياً في الواقع الاقتصادي السوري.
تضاعف صافي تحويلات القطع مرتين ونصف!
تشير بيانات المكتب المركزي للإحصاء بأن صافي التحويلات الجارية تزايد بشكل كبير خلال فترة محددة من سنوت الأزمة وبين عامي 2016-2018 حيث تضاعف قرابة مرتين ونصف!
لينتقل من رقم يقارب 1,6 مليار دولار وصولاً إلى ما يعادل 3,9 مليار دولار في عام 2018، مشكّلاً نسبة تقارب 20% من الناتج المحلي الإجمالي... وتتحول حصيلة التحويلات الإيجابية لتغطي خمس الناتج، وتستطيع بذلك أن تغطي جزءاً من خسارة الدولار الناتجة عن ارتفاع الواردات وتراجع الصادرات.
خلال عامي 2017-2018 ازداد تدفق أموال الحوالات، وأموال المنظمات غير الحكومية العاملة داخل سوريا عبر المنافذ الرسمية أي لتصبح هذه الدولارات (تحت تصرف الجهات الرسمية) كنتيجة مباشرة لاستقرار سعر الصرف في هذين العامين. حيث تقارب سعري الصرف الرسمي وسعر السوق عند حدود 434-480 ليرة مقابل الدولار. بفارق لا يؤدي إلى خسارة كبيرة في التحويل ونسبة أقل من 10%.
أقل من النسبة التي يأخذها وسطاء السوق السوداء والمنافذ غير الرسمية العديدة لتحويل الدولار لداخل البلاد.... هؤلاء الذين أصبحوا المنفذ الرئيسي لانتقال القطع الاجنبي في الأعوام التالية بعد التدهور السريع لقيمة الليرة وارتفاع الدولار منذ عام 2019.
تراجع تدفق القطع بنسبة 40% في 2019
في عام 2019 تغير الاتجاه، وتراجع صافي التحويلات الخارجية في الأرقام الرسمية بنسبة هامة، ليسجّل في ذلك العام قرابة: 2,3 مليار دولار متراجعاً بنسبة 40% عن عام 2018، ولتخسر المنافذ الرسمية بالحد الأدنى: 1,6 مليار دولار.
فمنذ عام 2019 أصبح الفارق بين السعر الرسمي وسعر السوق كبيراً جداً، ويؤدي لخسارة 40% من قيمة الحوالات بالحد الأدنى. فبينما كان سعر الصرف في السوق يقارب 700 ليرة منذ بداية عام 2019 لم ينتقل سعر الصرف الرسمي إلى هذا المستوى إلا مع نهاية العام. بينما وسطاء السوق فرسوم تحويلهم كانت بين 7-20% حسب الوجهة والطريقة. وبالمقارنة فإن المغتربين السوريين من حملة الجنسيات أو أصحاب إقامات العمل أو اللاجئين كانوا يختارون هذه الطرق كوسيلة للتحويل ليحافظوا على دخل أهاليهم.
لم تتوفر بيانات عن عام 2020، ولكن المؤكد أن صافي التحويلات الخارجية الواصل للحكومة والجهات الرسمية قد تراجع بحد كبير، لسببين أساسيين: الأول ازدياد الفرق الكبير بين سعري الصرف الرسمي والسوق، والثاني تراجع جميع التحويلات عبر العالم بسبب ظروف أزمة كورونا وازدياد معدلات البطالة عبر العالم التي أثرت بالتأكيد على دخول السوريين في الخارج وتحديداً في الإقليم.
عمل السوريين في الخارج والداخل المصدر الأساسي
أخيراً يمكن القول إن هذه الزيادة الكبيرة في صافي التحويلات ترافق مع زيادة عدد السوريين في الخارج، رسمياً على الأقل هنالك مليون سوري في السعودية والإمارات في عام 2017، بينما وصل عدد اللاجئين السوريين المستقرين في أوروبا أيضاً إلى مليون. كما أن أكثر من 3 مليون سوري في تركيا هم أيضاً مصدر هام للحوالات إلى سوريا وفق مسح لمركز اللاجئين النرويجي، يضاف إليهم ما يقارب 700 ألف سوري في الأردن جزء هام منهم خارج المخيمات ويعملون في الأردن حيث فارق العملة يسمح بتحويلات أجزاء صغيرة من الدخل لتشكل فارقاً داخل سوريا.
عمل السوريين داخل وخارج البلاد هو المساهم الأساسي في انتشال البلاد والحفاظ على القدرة على استمرار تأمين الأساسيات لعدد كبير من الأسر.
ولكن هذا التعب لا يتحول إلى منافع شاملة طالما أن هذا القطع الأجنبي يتحرك عبر السوق السوداء، التي بحصولها على الجزء الأكبر من التحويلات تقوم بعملية دائمة لإعادة تحويل هذا القطع الأجنبي للخارج عبر عملية تهريب الأموال والأرباح للخارج، وهو العامل الأساسي في ارتفاع الطلب على الدولار وتراجع الليرة.
إن جملة الإجراءات المتأخرة التي أتت لتخفيض نسبي لسعر صرف الدولار في السوق، وتقريب السعر الرسمي للحوالات منه، هي شرط أساسي لتحول جزء هام من الحوالات إلى المنافذ الرسمية وتجفيف مصادر الدولار للسوق السوداء.
ولكن هذه الأخيرة لن ترضى بسهولة خسارة هذه التدفقات، وستحاول قواها الكبرى أن ترفع سعر الصرف مجدداً، العملية التي ستنجح إذا لم تزداد قوّة الليرة عبر زيادة الإنتاج وتأمين الطاقة وتخفيض مستويات الأسعار. بل ربما لا يمكن أن تنجح هذه العملية دون التعامل السياسي والأمني مع أكبر شخصياتها وقواها بشكل جدي وليس شكلي، ودون هذا فإن السباق سيبقى دائماً... فها هي الآن تعيد رفع سعر الصرف تدريجياً، بعد أن استقر نسبياً خلال الشهر الماضي.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: