Saturday April 20, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

أين أصبحت «موازنة 2021» بعد كل هذا التراجع في «قيمة الليرة» ؟!

أين أصبحت «موازنة 2021» بعد كل هذا التراجع في «قيمة الليرة» ؟!

عشتار محمود

منذ أن بدأت الأزمة في عام 2011 والحكومة تزيد سنوياً أرقام موازنتها العامة بزيادات تتعدى مئات مليارات الليرات إلى آلاف المليارات مؤخراً.. ومع ذلك فإن قدرة الحكومات على تخفيف وطأة الازمات تقل كل عام عن سابقه، ودور الدولة في الحياة الاقتصادية يتراجع إن لم نقل يصاب بشلل من حين لآخر! لماذا، الإجابة بسيطة فزيادة رقم الإنفاق الحكومي بآلاف مليارات الليرات لا يستطيع أن يواكب التضخم وتراجع قيمة الليرة، والموازنة سنوياً تفقد قيمتها الفعلية رغم تضخم الأرقام. 

لا أحد يعلم تماماً ما الذي أنفقته الحكومة فعلياً من هذه الموازنات طوال سنوات الأزمة، فمنذ عام 2012 لم يعد قطع الموازنة يصدر علنياً. وقطع الموازنة وفق الدستور هو إعلان الإنفاق الفعلي، وهو واجب على الحكومة لا تلتزم به إذ يُقال أن قطع الموازنات صدر حتى عام 2014 ولكن طُرح سريعاً في مجلس الشعب ولم يناقش علنياً، وهي واحدة من أكبر ثغرات الإدارة الاقتصادية والمالية للأزمة المستمرة منذ عشر سنوات.

ولا يبقى لمن يسعى للتحليل والبحث في دور جهاز الدولة الاقتصادي إلا أن يتعامل مع أرقام مشروعات الموازنة أي نوايا الإنفاق الحكومي التي لا نعلم تماماً إن كانت تنفق بمجملها أم لا!، حيث لا نستطيع هنا أن نعتمد مقولة "إنما الأعمال بالنيّات".

موازنة 2021 تقارب 2,6 مليار دولار!

ولكن، إذا ما افترضنا أن الموازنة تنفق بالكامل فعلياً ووفق الأرقام التي تعلنها الحكومة، فإنّه حتى بهذا المقياس نواجه في الأعوام الثلاثة الأخيرة تراجعاً حاداً جداً في القيمة الفعلية لهذه المخصصات، وهذا إذا ما قسناها بالقدرة الشرائية مقدّرة بسعر الدولار، حيث لم يعد يخفى على أحد أن مستوى الأسعار في سورية يتحرك مع تحرك سعر الدولار في كافة مجالات النشاط الاقتصادي.

في عام 2021 أعلنت الحكومة أن موازنتها ستصل إلى 8500 مليار ليرة، لتتضاعف وتزيد أكثر من 100% عن موازنة 2020. ولكن بعد مرور الربع الأول من العام تقلصت القيمة الفعلية للمبلغ المذكور بمعدلات كبيرة، وأصبحت الموازنة لا تتجاوز 2,6 مليار دولار. (إذا ما أخذنا أعلى سعر صرف رسمي وضعته الحكومة مؤخراً: 3175 ليرة وهو السعر المعتمد لبيع الدولار من مكاتب وشركات صرافة للتجار والصناعيين).

إن رقم 2,6 مليار دولار قليل جداً وبكل المقاييس، وهو يفسر التراجع الكبير والحاد في قدرة الجهات الحكومية على مواكبة الحاجات الأساسية التي ينبغي تأمينها. وبمقارنة هذا الرقم بما قبل الأزمة، وما قبل التدهور الاقتصادي الكبير خلال عامي 2019-2020... يتبين حجم التراجع.

موازنة 2021 15% من موازنة عام 2010

في عام 2010 كانت القيمة التقديرية للموازنة السورية تقارب 16,5 مليار دولار، وهذا وفق سعر الصرف الرسمي في ذلك الحين المقارب لـ 47 دولار. انخفضت هذه القيمة خلال سنوات الأزمة بشكل حاد مع كل التراجع في الناتج، ووصلت في عام 2018 إلى حدود 6,3 مليار دولار. فرقم الموازنة بالليرات السورية في حينها البالغ: 3187 مليار ليرة بينما انتهى سعر الصرف في 2018 عند حدود 500 ليرة، ليرتفع مع بداية 2019 إلى 700 ليرة.

وبهذا وكما يوضح الشكل، فإن الموازنة العامة للدولة التي تعبر كما قلنا عن دور جهاز الدولة في تأمين الأساسيات الاقتصادية والاجتماعية، قد تراجعت بنسبة 85% بين عامي 2010- 2021 وبقي من دور جهاز الدولة نسبة 15% من قدرته ودوره في عام 2010!

وهذا التراجع كبير تحديداً إذا ما قسناه بمستوى تراجع الناتج الاقتصادي خلال سنوات الأزمة العشر، الذي يقدّر عموماً بحدود 60% بأقصى التقديرات ما يعني أن دور جهاز الدولة يتراجع بمعدلات أسرع من تراجع مجمل الناتج الاقتصادي في سوريا... والعامل الأساسي هو التراجع الكبير في قيمة الليرة، وعدم قدرة الدولة على تمويل نفسها بالقطع الأجنبي الكافي لتأمين الأساسيات.

عملياً بين عامي 2018-2021 خسرنا 60% تقريباً من قيمة الموازنة وأصبح معدل التدهور أسرع بكثير! 

"إلى أي حد رقم 2,6 مليار دولار قليل؟!"

الإجابة البسيطة هي: "إلى حد خطير"... إلى الحدّ الذي لا يحصل معه كل فرد إلا على القليل القليل من الإنفاق الحكومي.

فعملياً إذا اعتبرنا أن هذه الموازنة مخصصة للإنفاق على رقم تقديري 16 مليون شخص (في المناطق التي تديرها الحكومة وتخصص فيها نفقاتها). فإن حصة كل فرد سنوياً من مجمل الإنفاق الحكومي تقارب: 530 ألف ليرة سنوياً، وحوالي 44 ألف ليرة شهرياً ما يقارب: 14 دولار.

وبالتفصيل أكثر فإن كل فرد حصته اليومية من الإنفاق الحكومي هي 0.46 دولار أقل بكثير من حدود الفقر الدولية التي أقلها 2 دولار يومياً للفرد وتصل إلى 5,5 دولار يومياً. والحكومة بإنفاقها هذا بعيدة جداً عن تأمين حصة للفرد من الإنفاق الحكومي تقرّبه قليلاً من خط الفقر!

وبطبيعة الحال فإن هذه الـ 0,46 دولار يومياً هي افتراضية، فالمواطنون لا يحصلون عليها بالضرورة: أولاً لأنها قد لا تُنفق فعلياً، فكما ذكرنا سابقاً نحن لا نعلم حجم الإنفاق الحكومي الفعلي! وثانياً لأنها حتى لو أنفقت قد تضيع في "غياهب حلقات الفساد"...

كل موازنة 2021 لا تستطيع تأمين حاجات الطاقة!

ماذا لو قارنا رقم الموازنة الحكومية في 2021 مع المبالغ المطلوبة لتأمين الطاقة؟!

يتبين من المقارنة أنه حتى لو افترضنا أن الحكومة أنفقت كل الـ 2,6 مليار دولار لتأمين النفط الخام فإنها لن تستطيع بهذا المبلغ إلا أن تؤمن: 60% من حاجات توليد الطاقة!

وسنأخذ التصريحات الحكومية التي قالت مؤخراً على لسان رئيس الحكومة بأن حاجات النفط اليومية تقارب 200 ألف برميل، ننتج منها 20 ألف برميل بينما نحتاج لاستيراد أكثر من 180 ألف برميل.

وتأمين هذه الكميات وفق أسعار النفط الوسطية حالياً والمقاربة لـ 64 دولار للبرميل تعني عملياً أننا نحتاج سنوياً إلى مبلغ: 4,2 مليار دولار لاستيراد النفط الخاك... أي أن الحكومة تحتاج لمضاعفة رقم الموازنة فقط لتستطيع أن تؤمن حاجات إنتاج المحروقات وتوليد الكهرباء ومستلزمات النقل والتدفئة والصناعة والزراعة وتحريك الحياة الاقتصادية في سوريا.

إن هذا الرقم يوضح حجم الحاجة ومستوى التراجع، فجهاز الدولة بهذا الرقم للموازنة يستطيع أن يؤمن جزء قليل من متطلبات الطاقة فقط! والأزمة المرتبطة بنقص الكهرباء والوقود ستستمر طالما أن مستوى الموازنة قليل لهذا الحد... بينما الموازنة ليست مخصصة للطاقة فقط بطبيعة الحال، بل يجب أن تؤمن كل الحاجات الأخرى من القمح إلى متطلبات الصحة والتعليم والرواتب والأجور لأكثر من 900 ألف موظف مدني حكومي إلى كل الحاجات الأخرى.

الموازنة الحكومة والتراجع الكبير في قيمتها يبين حجم أزمة المالية العامة، وتراجع دور جهاز الدولة... فعملياً الحكومة لن تستطيع بهذا المستوى من تراجع قيمة الليرة، وهذا المستوى من الموازنة أن تؤمن الأساسيات أو تخصص حصة إنفاق لكل فرد تقرّبه من خط الفقر الأدنى المحدد دولياً! الحلول يجب أن تكون من خارج هذا الصندوق، وموارد مالية لاستعادة القدرة على تأمين أساسيات استمرار الحياة الاقتصادية يجب أن يتم تأمينها من المكان الذي تتكدّس به الموارد، حيث تجمع كبار قوى الفساد والنفوذ القدرات الاقتصادية للبلاد عبر سنوات وسنوات.

https://www.facebook.com/105986514160132/videos/1489624938056186

 

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: