Saturday November 23, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

اليمن.. عشرُ دقائق فقط

اليمن.. عشرُ دقائق فقط

المنتصر بالله العاري

قد يكون هذا الرقم عادياً لكثيرٍ من الناس على امتداد الكرة الأرضية، زمن تناولِ وجبة سريعة مثلاً، أو حتى زمن الوقوف للحصول على تذكرة لحضور مباراة كرة قدم، أو ربّما غير ذلك.. أما في بلاد اليمن فإنّ لهذا الرقم معنى مختلف، فهو الزمن الذي يستغرقه عداد الموت ليخطف روح طفل من بين ذراعي أمّه من شدّة الجوع.

14 مليون يمني يئنّون تحت وطأة الجوع والكوليرا ونقص الغذاء والدواء، وطفلٌ يموت كلّ عشر دقائق بحسب "اليونيسف"، كل ذلك في ظلّ الحصار الخانق الذي يفرضه عليهم التحالف السعودي الإماراتي، في كارثة إنسانية اعتبرتها الأمم المتحدة الأسوأ في تاريخ البشرية، دون أن يُسمع فيها صوت رادع للضمير الإنساني الذي يتغنّى به في كل مناسبة حمَلةُ شعار الديمقراطية وحقوق الانسان، بعد أن اشترى السعوديون ضمائرهم "الميتة أصلاً" بعدّة صفقات لتوريد الصواريخ والقنابل التي تَصُبّ حِمَمها على رؤوس اليمنيين كل يوم. 

 فصل الخريف أيضا قرر هذا العام بيع ضميره "لذي العزم السعودي" فأعلن مشاركته في الحصار، وجاء سريعاً ليُسقِط معه أوراق الشجر بعد أن صارت مصدر الغذاء الرئيسي لمعظم سكّان اليمن، حتى بات في مُقابلِ كلّ طفلٍ تقتُله شظايا قنابل التحالف يموت عشراتٌ آخرون من الجوع والأمراض والأوبئة كالحصبة والكوليرا والدفتيريا وغيرها من الأمراض.

مناشدات الأمم المتحدة واليونيسف ومنظمة الصحة العالمية وبرنامج التغذية العالمي بضرورة إيقاف الحرب ورفع الحصار عن اليمن، وإيصال المساعدات العاجلة للمحتاجين، لم يشفع عند حملةِ لواء حقوق الإنسان في واشنطن ولندن وباريس لإيقاف دعمهم للتحالف السعودي وإجباره على إيقاف عدوانه، وحتى التقرير الأخير لمنظمة "أنقذوا الأطفال" الذي صدر قبل أيام وقال إن أكثر من 85 ألف طفل يمني دون الخامسة قضوا بسبب الجوع وسوء التغذية لم يَكن كافياً ليَحمِلَ مجلس الأمن الدولي على الانعقاد واستصدار قرار يُلزِم السعودية بوقف حرب الإبادة الجماعية التي تمارسها على شعب اليمن.

لم يسبق لكارثة إنسانية أن فضحت وكشفت كذب من يدَّعون حماية حقوق الإنسان كما هو حال الكارثة التي يعيشُها اليمنيّون، فرغم كلّ ما يعانونه من قصفٍ وتجويع وحصار...، نرى كلّ يوم من يخرُج ناطقاً باسم وزارةِ خارجيةٍ هنا، أو بيتٍ أبيضٍ هناك، ليدين الضحية ويُحمّل الجياع مسؤليّة جوعهم!

لا شك أن الأمم المتحدة مُخطِئةٌ في وصفها المجاعة التي تفتك بشعب اليمن بـ"أسوأ كارثة إنسانية" على الإطلاق، فالأصح هنا أن يُقال بأنها "أسوأ كارثة أخلاقية عرفها تاريخ البشرية"، لأن هلاكَ شعبٍ بأكمله من الجوع لم يُساوِ اهتمام العالم وتحرُكه الهستيري إزاء موت إعلاميّ داعشي كـ"جمال خاشقجي" الذي كان يدافع عن جرائم تنظيم داعش، ويبرر قيام عناصره بتقطيع رؤوس وأطراف جنود الجيش السوري وعرضها على الهواء مباشرة لبثِّ الرعب في قلوب معارضيه.

لكن.. في البُعدِ الآخر من المشهد، وبعيداً عن خذلان الأمم المتحدة، وتواطؤ القريب والبعيد مع الجلاد المُقامر، عشر دقائق فقط هي كل ما يحتاجها مقاتلٌ يمني مرابطٌ على جبهات القتال ليملأ معدته ببعض العُشب اليابس قبل أن يعود لقتال المُحتلّ لأرضهِ من جديد، ولسان حاله يقول: "إن سألوك عن أهل اليمن فقل لهم: أكلوا تراب اليمن وما باعوه".

المصدر: خاص

شارك المقال: