حزب الله يعلن الحرب على الفساد
فارس الجيرودي
«إننا أمام واجب ديني وأخلاقي ووطني وإنساني، لا نقدر أن نقف متفرجين، حتى لا يزعل فلان، ونترك بلدنا يسير نحو الانهيار، بناءً عليه، نحن نعتبر أنفسنا في معركة مهمة جداً، وجهاديةً أيضاً، لا تقل قداسة وأهميةً عن معركة المقاومة ضدّ الاحتلال والمشروع الصهيوني في المنطقة»
بهذه العبارة أعلن أمين عام حزب الله أمس معركة ثالثة «دفاعاً عن الوطن»، بعد معركته ضد الاحتلال الإسرائيلي، ومعركته في مواجهة التهديد الذي مثلته الجماعات المتطرفة التي تضخمت لتهدد لبنان،على وقع الدعم الدولي الهائل الذي تلقته في سوريا، قبل أن تمنى بهزيمةٍ ساحقةٍ كان الحزب مساهماً أساسياً فيها.
لكن للفساد في لبنان أبعاداً وجذوراً مركبةً، بعضها يعود إلى الأساس الطائفي الذي أقيم عليه الكيان اللبناني، والذي يوفر للفاسدين حماية فولاذية، من جماهير الطائفة التي ينتمي إليها كل منهم، ما لا يتوفر للفاسد مثيلٌ له في أي بلد آخر، فالديمقراطية الطائفية التي تأسس عليها لبنان، تحمل في ثناياها بذور الاستهتار بفكرة الدولة الوطنية لصالح العصبية الطائفية، التي برع السياسيون باستغلالها للحصول على حصانةٍ تتيح لهم العربدة بالمال العام دون حسيب أورقيب، ولعل هذا ما أغرى الإدارة الأمريكية للعراق بعد عام 2003 بإعادة نسخ النظام الطائفي اللبناني بكل تفاصيله في العراق، فكانت النتيجة مستويات فسادٍ أسطوريةً، لم تكن متصورةً في عهد «الديكتاتور» صدام حسين.
كما تعود بعض جذور الفساد اللبنانية الأخرى، إلى بداية تأسيس النظام الحالي، الذي انبثق عن اتفاق الطائف، الاتفاق الذي يعتبر التسوية التاريخية التي وضعت حداً للحرب الأهلية اللبنانية، إذ كان هذا الاتفاق نتاج توافقٍ سوري-سعودي تم بموجبه تسليم ملف مقاومة الاحتلال الإسرائيلي إلى "حزب الله" المدعوم من دمشق، بينما تم تسليم الملف الاقتصادي إلى "رفيق الحريري" رجل الأعمال السعودي من أصل لبناني، حيث تعهدت السعودية يومها بدعم مهمة الرجل في النهوض الاقتصادي بلبنان.
ويمكن لأي مراقب محايد أن يستنتج بوضوح بعد مضي 30 عاماً على تسوية الطائف، البون الشاسع بين النجاح التاريخي الذي حققه الحزب في مهمة مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وردع اعتداءاته على لبنان ، والتي لم تكن قبل ظهور حزب الله تكاد تتوقف يوماً، وبين المأزق الاقتصادي التاريخي الذي وصل إليه لبنان بفضل الإدارة الحريرية لملف الاقتصاد.
إذ تشير الأرقام والمؤشرات الاقتصادية الرسمية إلى واقعٍ مرعب، فنسبة الدين العام في لبنان بلغت 157 في المئة إلى الناتج المحلي الإجمالي مع نهاية العام 2018، وبذلك يحتل لبنان المرتبة الثالثة عالمياً كأكبر نسبةٍ للدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، كما تقدّر خدمة الدين نسبةً إلى إيرادات الخزينة بنحو 49 في المئة حالياً، أي أن نصف إيرادات الدولة تدفع كفوائد لديون لبنان، وتعود أسس هذا الوضع المأساوي، إلى نظريةٍ «عبقرية» نادى بها رئيس الوزراء الراحل "رفيق الحريري" ملخصها، أن السلام العربي-الإسرائيلي قادم، وأن إقرار التسوية بين الدول العربية وإسرائيل، سيرافقه مساعدات خليجية ودولية، تتضمن إسقاط الديون الخارجية عن الدول التي توقع على التسوية، لذلك على لبنان أن يستدين قدر استطاعته، لأن هذه الديون سيتم إسقاطها في النهاية، لكن ديون لبنان تضخمت مع فوائدها المركبة، ولم يأت السلام الموعود.
وتظهر البيانات التي نشرتها وزارة المالية، أن إجمالي الدين في البلاد بلغ 83.8 مليار دولار أميركي في نهاية أيلول 2018، بزيادة نسبتها 5.4% عن عام 2017، ووفقاً للتقرير فإن معظم هذا الدين داخلي «أي لمصارف لبنانية»، حيث بلغت الديون المحلية ما مجموعه 48.4 مليار دولار أميركي في نهاية أيلول 2018، أي أن البنوك اللبنانية التي تعود ملكية معظم حصصها إلى الطبقة السياسية اللبنانية، وعلى رأسها "رفيق الحريري" وورثته، هي المستفيد الأكبر من فوائد الديون اللبنانية، فنحن إذاً أمام شكل مقونن من أشكال الفساد.
كما تشير الأرقام الرسمية اللبنانية إلى أن لبنان أنتج خلال 30 عاماً من عمر الطائف ثروةً تقدر بـ350 مليار دولار، هي مجموع الناتج القومي اللبناني طوال تلك السنوات، بالمقابل ومع غرقه بالديون وفوائدها، ورغم تلك الثروة الهائلة، لم تستطع الدولة اللبنانية، أن تقدم حتى أبسط الخدمات الأساسية لمواطنيها، إذ نشر المنتدى الاقتصادي العالمي لائحةً بتصنيف البلدان من الأحسن الى الأسوأ من حيث إمدادات الكهرباء، وبفضل هيمنة الهدر وغياب أي رقابةٍ أو محاسبةٍ من قبل مؤسسات الدولة الرقابية على هذا القطاع، حلّ لبنان في المرتبة الرابعة بين البلدان الأسوأ متقدماً فقط على اليمن، نيجيريا وهايتي.
وباستثناء المحاولات التي قام بها رئيس الجمهورية اللبناني السابق "ايميل لحود" ورئيس الحكومة السابق "سليم الحص" لكبح جموح الفساد، اقتصرت مواجهة الفساد في لبنان على الحركات الاستعراضية، كحركة إغلاق بعض مطاعم الفلافل والكباب التي قام بها وزير الصحة اللبناني السابق "وائل أبو فاعور".
لذلك قريباً وإذا ما استمر الحال على ما هو عليه، يتوقع أن تمسي الدولة اللبنانية عاجزة عن دفع مرتبات موظفيها، دون أن تتمكن من الحصول على أي ديون جديدة ترمم بها عجزها، بسبب انخفاض تصنيفها الائتماني مع عجزها عن دفع خدمة الدين.
يدرك حزب الله تعقيد المواجهة الجديدة التي قرر خوضها، وهذا ما يفسر رفع أهميتها إلى مستوى قداسة المعركة مع إسرائيل، كما ورد في خطاب السيد نصر الله، فهل ينجح الحزب فيما عجز عنه آخرون على المستوى اللبناني؟ وهو الذي أنجز على مستوى الصراع مع إسرائيل، ما كان يعتبر قريباً من حدود المعجزة في نظر مجموع الدول العربية.
المصدر: خاص
شارك المقال: