"عباس النوري" ترند الأسبوع!!
جوان ملا
في لقائه على إذاعة "المدينة" ببرنامج "المختار" مع الإعلامي "باسل محرز" بعد طول غياب، عاد الفنان "عباس النوري" مثيراً في تصريحاته هرجاً ومرجاً على وسائل التواصل الاجتماعي وذلك بسبب وجهة نظر تاريخية نقدية تخص "صلاح الدين الأيوبي" حكى عنها في حواره، حيث قال النوري إن "صلاح الدين" كذبة كبيرة، وأنه لم يحرر فلسطين حرباً بل دخلها بالاتفاق مع الصليبيين وبشروط صليبية بحتة، ذاكراً أن الأيوبي بعد هزيمته في معركة "أرسوف" سلم الساحل السوري لهم من "غزة" حتى "كيليكية" وأنه قتل أعداداً كبيرة من الأسرة الفاطمية التي كانت حاكمة في "مصر" وقتذاك منتقداً عدم ذكر أحد لهذه المعلومات.
هذه التصريحات النارية خلقت جدلاً لدى رواد الفيسبوك السوريين بين مؤيد ومعارض لهذا الكلام، فبعضهم دافع عن "صلاح الدين" وكأنه شخصية مقدسة مستخدمين شتائم بحق الفنان واصفينه "بالرويبضة" وآخرون قالوا له "خليك بالتمثيل" بالإضافة للعبارات النابية الأخرى، في حين أيّد هذا الكلام عدد كبير أيضاً من الناس مستشهدين بدراسة للكاتب المصري "يوسف زيدان" المتخصص في التراث العربي المخطوط وعلومه والذي تحدث عن معلومات شبيهة بالتي صرح بها النوري.
بعض الأشخاص أيضاً جعلوا من الموضوع طائفياً وبدأوا يصيغون آراءً تقول إن الفنان عباس النوري تكلم عن ذلك نتيجة حقد طائفي كونه قتل الأسرة الفاطمية التي تنتمي للمذهب الشيعي الذي ينتمي له النوري، وأنه متعاطف مع الطائفة العلوية التي أبعدها "صلاح الدين" عن الساحل السوري، وآخرون اعتبروا أن ذلك غير صحيح إنما هو نابع عن قراءات تاريخية معينة اعتمد النوري عليها في بحثه.
تدخّل بعض الكتّاب السوريين بالموضوع وأبدوا رأيهم ومنهم الكاتب "ماهر شرف الدين" الذي غرّد على "تويتر": «عباس النوري يقول إن "صلاح الدين الأيوبي" كذبة!! أي نعم.. سأكذّب ما كتبه مؤرخو أوروبا عن الدور المفصلي الذي لعبه هذا القائد التاريخي وأصدّق أبو عصام!! صلاح الدين "كذبة" و باب الحارة "حقيقة!!»
وكتب السيناريست "سامر رضوان" على صفحته في فيسبوك: «أطل الأستاذ عباس النوري في برنامج إذاعي، وتناول شخصية صلاح الدين الأيوبي من زاوية التشكيك بالرواية الثابتة عنها في أذهان العامة، فصلاح الدين عند الأكثرية العربية والكردية شخصية استثنائية لا يجوز المساس بها على ما تخبرنا ردة الفعل. ما يعنيني هو ردة الفعل على طرح رأي مخالف، وكيف تمت صياغتها بعد زمن الانتفاضة على الرأي الأوحد».
وأضاف: «هل ارتكب النوري ومن قبله يوسف زيدان خطأ جسيماً؟ حسناً، صوّبوا، ولتفيدونا بإعمال البحث حول قضية من الواضح أنها موضع خلاف كي يصبح للحملة معنى. ولكن قبل ذلك، هل حقاً تستحق أية شخصية في التاريخ، دفاعاً مستميتاً من أجل ديمومتها المقدسة؟!».
أما السيناريست "رامي كوسا" فكتب على صفحته الشخصية منشوراً طويلاً أكد فيه على أحقية "عباس النوري" في أن يقدم الرواية التاريخية التي يراها صحيحة وعلى الطرف الآخر أن يقبل أو يرفض دون حكم أو تخوين، وأن رأيه نابع عن بحث وليس طائفياً ولا سياسياً طالباً من الجمهور البحث وتقصي الحقائق لا أن يدخل في مهاترات لا فائدة منها
أما نجل مفتي سوريا السابق "صلاح الدين كفتارو" فردّ على النوري بقوله: إن الرئيس "حافظ الأسد" كان يفخر بإنجازات "صلاح الدين" ويتحدث عنها لضيوفه الذين يزورون "سوريا" وبأن لوحة "صلاح الدين" مازالت معلقة في قصر الاستقبال الرئاسي دليلاً على التباهي بتاريخ الأسلاف".
وبعد صد وردّ وخلافات كتب "عباس النوري" على صفحته الرسمية في فيسبوك:
«بخصوص ( صلاح الدين )!!!
قلت في حديث أذيع مؤخراً في برنامج (المختار) للإعلامي "باسل محرز" كلاماً عن شخصية "صلاح الدين الأيوبي" أثار ردات فعل متفاوتة كان منها الساخن ومنها غير ذلك.. لكن الضرورة اقتضت الإيضاح:
١- جاء كلامي في معرض الضرورة اللازمة والوطنية لإعادة بناء الكثير من المفاهيم التي تربينا ونشأ وعينا وشخصياتنا الوطنية عليها ومنها مفاهيم جاءت من التاريخ الإسلامي والعربي عموماً ولا يجوز اقتطاع وبتر جزء على حساب الكل على طريقة (ولاتقربو الصلاة...) دون تتمة.
٢- ذكرت بعضاً من المعلومات عن شخصية "صلاح الدين الأيوبي" وكنت حين قراءتها قد صدمت وفوجئت كما فوجئ كل من سمعني وراح لاعتبار كلامي نابعاً من دوافع ظلامية دينية أو طائفية أو مذهبية أو... لم ولن أنتمي لها في يوم من الأيام. لست ولن أكون يوماً مع طائفة أياً تكن أو مذهب أياً يكن أو جماعة لها ولو سطر واحد في تاريخ أمتي الممنوعة من المستقبل كما هي ممنوعة من المعرفة.
٣- سأعير انتباهي وتقديري وشكري لكل من سيختلف معي في الرأي على أن يُبنى ذلك على دلائل ومراجع ووثائق تلبي الحاجة الملحة للحقيقة.
٤- أرجو أن لا يكون في تذكير من يرى رأياً مختلفاً (وهذا حقه) بأنني إنما أنطلق من حرصي على تجاوز مفاهيم كبلتنا ردحاً من الزمن وصار لا بد من الجرأة في قراءة أنفسنا إذا كانت غايتنا جميعاً بناء مستقبل أكثر معرفة ورحمة لأولادنا.. .. راجياً أن لايكون في ذلك غضاضة أو شحذ لعصب، بقدر ما يمكن أن نشحذ العقل نحو مزيدٍ من المعرفة التي يحرمنا منها كل (مقدس).
٥- وإليكم مراجعي فيما اعتمدته في الرأي آملاً أن نمهل النفس بضع وقت للتفكير والتفكر حتى لانقع في فخ التشنج والكبت والغضب المكتوم دون دراية:
-في تاريخ الأيوبيين والمماليك (د. قاسم عبد قاسم) وفيه تفصيل عن اليهود في ذلك العهد
- الدولة الفاطمية في مصر (د. أيمن فؤاد سيد) وفيه ذكر لحال المجتمع المصري آنذاك
- المؤرخ المقريزي وكتابه (الخطط) وفيه تبيان وتفاصيل لكل حياة صلاح الدين
- شذرات الذهب في أخبار من ذهب
( ابن العماد الحنبلي - حوادث سنة ٦٢٦ )
- مؤرخ صلاح الدين نفسه ( ابن شداد)
- وبالتأكيد توجد مراجع كثيرة أخرى لن أدعي الاطلاع عليها
وكل التقدير لمن تابعني على إذاعة المدينة، وسأقدر اللذين سيختلفون معي أكثر حين نأتي بالحجة قبل التشنج الذي ينتهي مع أول زفرة ملل من تعب المعرفة.
أخيراً:
فوجئت كما فوجئتم وكان دواء المفاجأة هو المعرفة.. ألم نكتفِ من إعادة إنتاج الأمس من دون طائل.
المزعج في كل هذا أن العديد من الأشخاص المؤيدين والمعارضين لوجهة نظر النوري لم يستشهدوا بمصادر تاريخية ـ باسثناء البعض ـ، بل اكتفى كل منهم بطرح فكرته.
وتبيّن هذه القضية الخلافية المطروحة أن شرائح كبيرة من المجتمع السوري مازالت رافضة لرأي الآخر ولا تقبل أي انتقاد تجاهها وتجاه أي قضية يُسلَّم بأمرها، فالحرب السورية إذن مازالت مستمرة وهي ليست مجرد رصاص وتفجيرات وقنابل!!.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: