سوريا.. مقاربات دستورية (1)

حبيب شحادة
أقرت سوريا ما لا يقل عن 12 دستوراً منذ الاستقلال عام 1946 وحتى عام 2012 تاريخ إقرار الدستور الأخير، وبنظرة سريعة على التاريخ الدستوري السوري نرى أنّ كل الدساتير السورية أتت كنتيجة لتغييرات سياسية مفصلية، حيث عاشت سوريا حركة دستورية متحركة ومتبدلة وفقاً لتبدل نظام الحكم.
وكان دستور عام 1973 من أكثر الدساتير السورية عمراً، والذي أنهى حالة عدم الاستقرار السياسي والدستوري التي سادت فترة ما بعد الاستقلال وأدخل البلاد بحالة من الاستقرار الطويل على مختلف الصعد وخصوصاً سياسياً ودستورياً. وخلال هذا الاستقرار لم يستطع دستور عام 1973 مواكبة التغييرات التي حصلت داخلياً، وبقيت بعض مواده تتعارض مع البيئة القانونية والتشريعية المستجدة بعد عام 2000 وبداية حقبة الإصلاح في سوريا.
لكن كل ذلك لم يمنع من استمرار العمل بمضمونه، إلى أن أتت لحظة مفصلية بتاريخ سوريا، ألا وهي الحرب عليها، التي فرضت تداعياتها وتأثيراتها التوجه نحو إصدار دستور جديد، فكان دستور عام 2012 الذي ولدَ من رحم لجنة مشكلة من مجموعة خبراء لإنجازه خلال فترة أربعة أشهر.
وجدير ذكره أنّ دستور 2012 جاء بعد فترة استقرار طويل بخلاف دستور عام 1973 لكنه لم يختلف كثيراً عنه، إلا بما يتعلق بتعديل المادة الثامنة، والتي نقلت البلاد من الأحادية السياسية نحو التعددية السياسية دستورياً فقط وليس واقعياً وعملياً، ناهيك عن الخلافات التي رافقت عملية إصداره، حيث لم يحظ بالقبول من قبل جميع الأطراف.
بناء على ذلك لم يستطع دستور 2012 بناء جسور تواصل بين الدولة السورية وبين المعارضة بشقيها الداخلي والخارجي، ما انعكس سلباً على آلية التسوية السياسية، والتي انتقلت من كونها تسوية سورية- سورية إلى تسوية دولية عبر مؤتمر جنيف1 (10/6/2012). بمعنى آخر فإن دستور 2012 بشكله الحالي غير قادر على إنتاج تسوية وإخراج سوريا من حالة الفوضى وعدم الاستقرار، لاسيما أنه أخذ التغيير في شكله الظاهري فقط وهذا ما زاد انقسام الشارع.
كما أن مسار جنيف وملحقاته من مؤتمرات أخرى وتحديداً القرار 2254 لم يضع أية مرجعية دستورية تحكم عملية التسوية، ما أبقى الأمر مفتوحاً بين طرفي الصراع ليطرح كل منهما رؤيته للمرجعية الدستورية، حيث تمسكت الدولة بدستورها الحالي، وتمسكت المعارضة بضرورة وجود دستور جديد أو العودة لدستور عام 1950. ناهيك عن الخلاف حول تفسير عملية التغيير السياسي بحد ذاتها.
هنا أتى مسار سوتشي وطرح فكرة اللجنة الدستورية التي تم تشكيلها مؤخراً من ثلاثة أثلاث (حكومي، معارضة، مجتمع مدني). وسوتشي ربّما كان خياراً روسياً للخروج من مُعضلة المرجعية الدستورية، فهل تملك اللجنة الدستورية التي رافق تشكيلها الكثير من الخلافات، أدوات استمرارها كآلية للوصول إلى خارطة طريق دولية تنتج دستوراً يتوافق عليه السوريون ويخرج البلاد من حالة الحرب؟
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: