رحلة عودة بعد نزوح مرير
حبيب شحادة
أن تكون لاجئاً، يعني أن تكون في عين العاصفة، في مهب الريح، في تجاذبات السياسية ودهاليزها، التي أودت بالسوريين للجوء والنزوح بعيداً عن بيوتهم ومناطقهم، إلى مناطق دون بيوت تقِيهم برودة التسوية السياسية التي ينتظرونها للعودة.
حياة مريرة عاشتها أم سامر بدخول "داعش" إلى منطقتها في القلمون، ما اضطرها للنزوح براً عبر الجبال وصولاً إلى لبنان، السيدة القلمونية، ذات الست أولاد تروي لنا تفاصيل رحلتها المأساوية إلى أنّ استقر بها الحال بعد نزوحها المرير والمتنقل بالعودة إلى دمشق.
تقول لجريدتنا أنها خرجت لتنجو بأولادها من "داعش" وممارساته القذرة على حد قولها، حيث ساءت الأمور بعد دخول المسلحين إلى بلدتها، وأكثر ما كان يقلقها هو حياة أبنائها وخوفها من ممارسة داعش التي لا ترحم ولا تمت للإسلام بصلة، حيث خرج الكثير قبلها وهذا ما دفعها للتوجه مع قافلة الذل والمرارة باتجاه جرود عرسال اللبنانية تاركةً خلفها الكثير من الأهل والأصدقاء والكثير الكثير من الأحلام والذكريات.
في منطقة عرسال القريبة من القلمون سكنت العائلة، وتبدلت أيامها الرغيدة بحياة اللجوء التي لم تعتدها سابقاً، وتقول أم سامر "إنّ حياتنا أصبحت عشوائية في كل شيء في الخدمات، في الأكل والشرب، وحتى المسكن"، كون العائلة سكنت في إحدى الخيم المقامة في مخيمات عرسال.
تروي أم سامر أنّها وعائلتها عاشت لمدة عامل كامل في خيمة مجانية، لكن مع تزايد حركة النزوح باتجاه جرود عرسال، وتوافد أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين إلى المخيمات اللبنانية، وذلك بحكم الجغرافيا القريبة والمتصلة. إلا أنه بعد هذا العام اضطرت أم سامر لدفع أجار خيمتها ما يقارب الـ100 ألف لبناني بالسنة. خيمة لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء.
وحيال الوضع المعيشي في لجوئها تقول أم سامر "كنا نعيش على مساعدات الأمم المتحدة التي تأتينا شهرياً"، ولكنها لا تكفي الشهر تضيف، ما أجبرها على بيع ما كانت تمتلك من ذهب لتطعم أولادها الذين لا يتجاوز عمر أكبرهم العشر سنوات.
تتابع الكلام بأن زوجها كان يعمل بالباطون ودخله يكفيهم، وحياتهم كانت مستقرة، ولم نكن بحاجة أحد حسب تعبيرها. ولكن بعد نزوحهم ظل زوجها بدون عمل، كون العائلة دخلت بشكل غير قانوني، وبالتالي لا يمكن لزوجها التنقل خارج عرسال للعمل. وضمن عرسال تنعدم فرص العمل كما تروي أم سامر التي تستطرد قائلة " منطقة عرسال خالية من السكان إلى حدٍ ما، وسكانها اعدادهم قليلة جداً، حيث لا يوجد الكثير من الابنية. وأن العمار بدأ مع قدوم السوريين وانتشار محلات التجارة أيضاً التي أصبحت تعتمد في تجارتها على أسلوب وفنون السوريين التجارية وقدرتهم على الاخذ والعطاء".
ولا تقف معاناة اللاجئين عند مشقة اللجوء وإنما تمتد إلى صعوبة الحصول على المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة وغيرها من الجمعيات العاملة في لبنان، حيث تقول أم سامر بأنه "عندما تأتي المساعدات من أي جمعية فإن لرئيس بلدية عرسال وأهلها 60% في حين يأخذ اللاجئين 40% فقط وحتى الـ40% يذهب نصفها للسوريين الذين علاقتهم جيدة مع رئيس بلدية عرسال والباقي للناس العاديين كل حسب حظه " وبالتالي العديد من الناس يبقى دون هذه الإغاثة لمرات ومرات.
وإزاء واقع اللجوء المرير في مخيمات لبنان، فكرت العائلة باللجوء إلى ما هو أبعد من ذلك. تقول أم سامر إنها "اقترحت موضوع السفر على زوجها عندما رأت كيف الناس ذهبت إلى أوروبا وارتاحت نفسيا فأصبح لديها بيوت ومدارس للأطفال ورواتب للمعيشة" مضيفة أنه كان لهم أصدقاء في أوروبا يتحدثون معهم دوماً، وقد حاولوا مراراً إقناعنا ونصحنا بالتوجه نحو الحياة الرغيدة في أوروبا كما يصفون، إلا أن تكلفة الوصول إلى هناك عالية جداً وليس لنا القدرة، لذلك كان زوجي متردد كما أن السفر بالبحر مخيف وخطر وركوب البلم أيضا، لكن ذلك كان ثانوياً ولو كان لدينا المال كان زوجي وافق ع السفر ولم يتردد. صراحة المال كان السبب الذي منعنا تقول أم سامر.
بعد كل هذه المعاناة وبعد تحسن الأوضاع الأمنية في سورية وانخفاض حدة المعارك وسيطرة الدولة على كامل ريف دمشق لم يعد هناك ما يمنع العائلة من العودة لوطنها. تقول أم سامر "عندما اتخذنا قرار العودة أنا وزوجي كانت العودة إلى دمشق منتصف العام 2018 وأكثر ما كان يقلقنا الوضع المعيشي والغلاء، أما عن دمشق فلم يكن لدينا مخاوف سوى عودة الوضع للاشتعال والتأزم والأن الوضع جيد ومقبول فهو أحسن من لبنان فهنا يوجد مدارس وأستطيع ارسال اولادي اليها وهي ليست مدارس خاصة كما في لبنان فهناك غلاء في الأسعار وغلاء في المعيشة وفي الإيجارات".
وكانت هذه العودة في إطار العودة الطوعية التي نظمها الامن العام اللبناني للنازحين السوريين الراغبين بالعودة لوطنهم، وكذلك ضمن المبادرة الروسية، لكن هذه العائلة لم تتمكن من العودة لمنطقة القلمون وتحديداً لبلدتها، كون منزل العائلة مدمر بالكامل حسب وصف أم سامر.
حتى العودة مع سعادة العائلة بها، إلا أنًها حملت في طياتها مرارة وقهر، ما اضطر العائلة للتوجه نحو دمشق واستئجار منزل في منطقة عشوائية قريبة منها، تقول أم سامر، "نعيش في بيت صغير جداً بعد عودتنا، وتمكن زوجي من العمل كسائق تكسي بأجر شهري يقينا حاجة الناس وذل اللجوء ومرارة الخيم والمخيمات.
ان هذه العائلة واحدة من المئات التي عاشت مر اللجوء وذله، إلا أنها استطاعت بلحظة حاسمة إنهاء كل تلك المأساة والعودة نحو أرض الوطن، من المؤكد أنها لا تعيش حياة الرفاه إلا انها تعيش حياة الطمأنينة كما ختمت أم سامر حديثها لجريدتنا.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: