قطر في كأس آسيا: عندما تستذئب النعاج
فارس الجيرودي
لم أنتم لـ"حزب البعث العربي الاشتراكي" كما فعل كثيرون من أبناء جيلي، كما لا أتفق اليوم مع الكثير من منطلقاته النظرية التي لقنت لنا في كتب القومية طوال سني دراستنا الإعدادية والثانوية، رغم ذلك أجد نغمة السخرية من البعث ومن المقاومة والممانعة التي أشاعها الاعلام الخليجي، ومرتزقة البترودولار من المثقفين العرب في أوساط الشباب العربي، نغمةً مثيرةً للغثيان.
فمقارنة بسيطة بين ما حدث بالأمس في مباريات قطر الأخيرة بالإمارات من ضربٍ بالنعال للفريق القطري ومنع جمهور قطر من حضور المباريات اصلاً، و بين ما حدث في ذروة الخلاف السوري-العراقي عام 1985 عندما وصل منتخبا العراق وسوريا الى اللقاء الحاسم للتأهل لتصفيات كأس العالم بالمكسيك، تظهر لنا أن أنظمة الخليج العربي تحتاج ألف سنة على الأقل من التطور حتى تصل إلى مستوى من تسخر وسائل إعلامها منهم.
في 15 تشرين الثاني من العام 1985 استغلت الحكومة السورية استضافة دمشق لمباراة الذهاب بين منتخبي سوريا والعراق في عز القطيعة و الخلاف بين الحكومتين البعثيتين، فقام وزير الدفاع السوري بدعوة المنتخب العراقي لحفل غداء، كما تمت دعوة نجم سوريا الأول في ذلك الوقت "دريد لحام" والذي كان له شهرة واسعة في العراق لحضور الحفل إلى جانب وزير الدفاع السوري ، بل وطلب منظمو المباراة من الجمهور السوري في الملعب أن يهتف للعراق قبل بدء المباراة، هذا في زمن كان صدام حسين يدعم فيه جماعة الإخوان المسلمين التي نفذت عدة تفجيرات في المدن السورية، ويستضيف كل قادة المعارضة السورية معززين مكرمين في العراق، ولا أعتقد أن حكومة صدام –على سوئه- كانت ستعامل الفريق السوري بحفاوةٍ أقل لو أتيح لها استقباله في بغداد «جرت مباراة الإياب بالطائف بالسعودية بدلاً عن بغداد، بسبب ظروف الحرب العراقية- الإيرانية».
لقد كانت سنوات الربيع السوداء الماضية التي كشرت فيها مشيخات الخليج عن أنيابها، وأسقطت قناع الدبلوماسية الذي كانت تخفي خلفه توحشها، سنواتٍ كاشفةً حقاً، إذ شرعت كل من قطر والإمارات والسعودية في بناء امبراطورياتها عبر تمويل جماعات التطرف في سوريا وليبيا والعراق واليمن، وعبر محاولة إذلال مصر بالقروض والمنح، لكن الأمر انتهى بهم إلى صراع خليجي-خليجي، أظهر أحقاد الجاهلية المخفية في القلوب، حتى رأينا أنماطاً من التناحرو التنابز ترقى عن درجة انحطاطها حروب داحس والغبراء.
فتعليقاً على خروج منتخب بلاده من بطولة كأس آسيا بعد خسارته أمام نظيره القطري، خرج "وسيم يوسف" إمام مسجد زايد في برنامجه "رحيق الإيمان"، ليصف القطريين بـ«أبناء شريفة الذين يحقدون على أبناء زايد لريادتهم وسيادتهم التي يتفقدونها»، ومصطلح أبناء شريفة، مصطلح يستخدمه الإعلام السعودي-الإماراتي، ليشهر بأمهات عموم الشعب القطري، ذلك منذ أن صرح وزير الشؤون الخارجية القطري "سلطان بن سعد المريخي"، أن إيران «شريفةٌ أكثر من دول الحصار الخليجية التي أغلقت كل المنافذ على قطر منذ العام 2017محاولةً تجويع شعبها»عندها فتحت إيران المنفذ البحري والجوي الذي أنقذها من الاختناق.
ينفجر الصراع القطري-السعودي- الإماراتي حقداً، في وقت لا تكاد تنقطع فيه زيارات الوفود الإسرائيلية رياضيةً وسياسية، علناً وسراً، للعواصم الخليجية، فكلما ازداد حقد حكام الخليج على بعضهم، زادوا من التفنن في اتخاذ وضعية النعاج أمام اسرائيل، الوضعية التي تحدث عنه رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري السابق "حمد بن جاسم" صراحةً في اجتماع مجلس الجامعة العربية المنعقد بمناسبة العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2012، فطالما أن التنافس على من يحظى منهم بقلب واشنطن، فإن الطريق إلى ذلك لا بد أن يمر حكماً من تل أبيب.
المصدر: خاص
شارك المقال: