الجزائر بعد بوتفليقة: بين الأخونة والفرنسة
فارس الجيرودي
بعد رسالته للشعب الجزائري في3 آذار، والتي تعهد بوتفليقة من خلالها بإجراء انتخابات مبكرة لا يترشح فيها، ويتم إجراؤها بعد عام واحد فقط من ولايته القادمة(إذا تم اختياره رئيساً في الانتخابات الحالية)، بات محسوماً أن الجزائر صارت على أعتاب انتهاء الحقبة البوتفليقية، التي تعتبر بدورها الطور الأخير من مراحل دولة التحرر الوطني، الناشئة إثر نجاح جبهة التحرير الجزائرية في طرد المستعمر الفرنسي.
لكن خصوم بوتفليقة في الشارع وفي الدولة استمروا في التصعيد بعد رسالة الرئيس، ويبدو أنهم لن يقبلوا إلا بخروج الرجل مهاناً من الباب الضيق، فهو راكم خلال فترة حكمه الطويلة، الكثير من المتضررين من سياسته داخل الدولة والجيش، بالإضافة طبعاً إلى جماعات الإسلام السياسي المعادية للنظام برمته، فرغم كل ما يمكن أن يقال في نقد بوتفليقة، إلا أنه كان الرئيس الأكثر جرأةً في تاريخ الجزائر«بعد بومدين»، في تقليم أظافر قادة الجيش والمخابرات، ومنعهم من التدخل في شؤون الحكم، وخصوصاً العناصر الموالية لفرنسا منهم، وهو إلى أن ألم به المرض، نجح في تنفيذ تعهده بأن «يكون رئيساً كاملا لا ربع رئيس».
ما سبق يفسر تلاقي المصالح الواسع في الداخل الجزائري ضد خروج كريمٍ للرجل، بالإضافة طبعاً للإرادة الدولية الغربية التي تبدو مستعجلةً للإجهاز على ما تبقى من تراث حركة التحرر الجزائرية، ممثلةً في ما ترمز له «البوتفليقية»، من التزام بالحد الأدنى من المكتسبات الوطنية، سواءٌ لجهة المحافظة على درجة معقولة من الاستقلال عن الإرادة الأمريكية، أورفض الوقوع في أفخاخ صندوق النقد الدولي، الذي سبق أن ذاقت الجزائر مرارة نتائج وصفاته الاقتصادية وقروضه في التسعينات، فيما تتشوق الأجنحة الليبرالية في النظام اليوم لإعادة تلك التجربة، لذلك يبدو المستهدف ما يرمز له بوتفليقة، وليس شخصه سواءٌ أكان مريضاً مقعداً أو رياضياً بكامل صحته.
لكن ذلك لا يبرؤ الرجل الذي فشل خلال سنوات حكمه الطويلة في خلق حالةٍ شعبيةٍ مستعدةٍ للقتال من أجل خياراته، أو في إفراز قيادات من بعده تؤمن بتبنى الخطوط الدنيا التي حافظ عليها، ربما لأن خيارته أصلاً لم تكن جذرية بما يكفي، فهو رغم رفضه لوصفات صندوق النقد الدولي، لم يذهب في مواجهته للسياسات الاقتصادية النيوليبرالية إلى آخر خط، ورغم رفضه الانسياق في الحرب ضد سوريا، وتحفظه على تجميد عضويتها في جامعة الدول العربية، لكنه لم يمانع في النهاية من المشاركة في مسرحيات اجتماعات "جامعة دول عربية"، التي تناوب على قيادتها بعد إخارج سوريا كل من قطر والسعودية، كما أنه تحت شعارات «الحرية و الديمقراطية» التي تضغط واشنطن وحلفاؤها الأوربيين من أجل الالتزام بها، سمح بتشكل عشرات وسائل الإعلام الممولة بالمال الخليجي «القطري أو السعودي-الإماراتي»، في مقابل غياب أي إعلام يمثل التراث التحرري للثورة الجزائرية.
لذا ليس غريباً أن تجتاح القوى المدعومة من قطر الشارع الجزائري، بدليل أن المتظاهرين طردوا كل رؤساء الأحزاب السياسية من بينهم ،سوى "عبد الرزاق مقري" زعيم الاخوان(وعضو فريدوم هاوس الأمريكية)، فيما يتوزع بقية الشارع بين أنصار جبهة الإنقاذ، الذين بدؤوا بالظهور للعلن شيئاً فشيئاً وهؤلاء كلهم بيد قطر أيضاً، وبين القوى "السلفية العلمية" التي تحرم الخروج على الحاكم مالم يأتيها الضوء الأخضر من السعودية، بالإضافة إلى شباب فيسبوكي متحمس، لا لون إيديولوجي، له يحرضونه ويعبؤه المسيطرون على وسائل الإعلام، بما أرادوا، بعد أن أخلت لهم الدولة الوطنية الساحة، وهناك أيضاً أنصار أجنحة داخل النظام قريبة من فرنسا، استبعدها بوتفليقة من الحكم، كلٌ يحاول أن يأخذ "الحراك" لجهته، ولجهة الأطراف الخارجية الداعمة له.
في ظل هذا الواقع يمكن أن نتوقع أحد السيناريوهات التالية:
أن يخرج المجلس الدستوري بقرار، بعد دراسة كل ملفات المترشحين، يقصي المرشح بوتفليقة لسببٍ صحي، ويتم قبول الترشيحات الأخرى، فتنظم الانتخابات من دونه، وعلى صناع القرار هنا، المختلفين أصلاً، اختيار مرشح جديد للجناح المنتصر ضمن «النظام».
يعلن المجلس الدستوري عن إقصاء كل المترشحين «لسبب أو لآخر»، فتتأجل الانتخابات أيضاً، لكن تدخل البلاد في مرحلة انتقالية بعد نهاية الولاية الحالية للرئيس، حالة طوارئ قبل تنظيم انتخابات رئاسية جديدة دون بوتفليقة.
يعلن في اليومين المقبلين عن شغور منصب الرئيس دستورياً، لأسباب صحية ،فيتولى رئيس مجلس الأمة المنصب إلى غاية تنظيم انتخابات رئاسية.
تجري الانتخابات في موعدها بعد حل الحكومة الحالية، ومضي الرئيس بوتفليقة في ترشحه وتنفيذ وعوده الأخيرة، بتنظيم ندوة وطنية، وتعديل الدستور ثم الانسحاب بعد سنة.
تدخل «قايد صالح» قائد الجيش، وإرغام بوتفليقة على سحب ترشحه، والدخول بعدها في مرحلة انتقالية «موازين القوى الدولية ستفرض مرشحاً للنظام، بخيارات مقبولة فرنسياً وامريكياً».
حدوث انقلاب عسكري ضد قايد صالح ،سواء من قبل ضباط موالين لبوتفليقة، أو معادين له ،وهذا السيناريو خطير جداً لأنه سيؤدي إلى انقسام الجيش الجزائري.
استلام قائد الجيش الحكم وإبعاد بوتفليقة، استجابةً لتطلعات "الشعب" «على الطريقة المصرية».
لكن الخيارات السابقة جميعها وحسب موازين القوى الحالية، يتوقع أن تكون إخراجاً لنتيجة واحدة، هي وصول مرشح بخيارات مقبولة فرنسياً وأميريكياً لحكم الجزائر، في مرحلة ما بعد بوتفليقة.
المصدر: رصد
بواسطة :
شارك المقال: