النسوية السورية.. إقصاء تاريخي وجدل نسوي
حبيب شحادة
بعد سنوات من الإقصاء التاريخي للنساء من المجال السياسي، نشطت البعض من النسويات السوريات لدعم الحراك الذي بدأ عام 2011 من أجل التغيير الديمقراطي منذ الأيام الأولى لانطلاقته، وعملت على الاستثمار فيه كي لا تغيب حقوق النساء في خضم الصراع الدائر، وكي لا يتكرر هذا الإقصاء مرة أخرى.
حيث كانت سورية تعيش مرحلة من الانغلاق السياسي والاقتصادي والمدني أدت إلى إقصاء معظم التيارات آنذاك سياسيةً كانت أم مدنية من الحياة العامة وهمشتها لصالح احتكار الاتحاد العام النسائي المنحل (2017) للعمل النسوي من منطلق علاقته بالسلطة وبما يخدم مصالحها.
أكثر من سبعين عاماً من العمل لرابطة النساء السوريات، إلا أنها لم تتمكن من اختراق هذا الواقع أو تغييره. حيث صرحت الناشطة النسوية أسماء كفتارو لـQ street journal بأن للحراك النسوي السوري تاريخ طويل ولم يظهر فجأة على غرار الأزمة الحالية.
ومع بداية الحراك السوري مطلع العام 2011 اختلفت الأمور كثيراً وترافق الحراك السياسي مع حراك نسوي، استفاد من تجربته مع "ربيع دمشق" (2002) والذي لم تجد فيه النساء وفقاً للناشطة النسوية سوسن زكزك المساحة الكافية لتأطير عملهن بما يخدم التركيز على قضايا حقوق النساء. كما أحسّت بعض الناشطات بأنّ التركيز يجب أن يكون على "الثورة" ولكنهن سرعان ما عدن للاهتمام بالقضايا النسوية مع بروز التيارات الدينية والمسلحة في الحراك السوري.
تُؤكد الناشطة السياسية والنسوية، د. منى غانم "أنّه قبل عام 2011 لم يكن هناك حركة نسائية (بمعنى ومفهوم الحركة)، وإنّما بعض الناشطات النسائيات كون العمل المدني كان ممنوعاً".
وتستذكر د. منى أنه "في العام 2009 خرجن بمظاهرة في ساحة عرنوس بمناسبة اليوم العالمي للعنف وكنَّ مجموعة صغيرة من النساء أضأنَّ الشموع، لكن بعد العام 2011 أصبح لدينا عدد كبير من المنظمات النسائية، بتأثير الحراك السوري.
وتشير د. منى إلى أن هناك تصحراً سياسياً واجتماعياً في سورية عائد للمناخ السياسي الذي لا يسمح بظهور أجندة واضحة للحراك النسوي كونه نشاط نسائي وليس بالضرورة نسوياً، حتى أنّ هناك بعض المنظمات النسوية لا تؤمن بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان.
بناء على ما سبق اختلفت أوضاع المرأة بعد الحراك السوري، التي غيرت من الدور التقليدي للمرأة وأدخلتها مجالات وسياقات اجتماعية لم تعتاد عليها سابقاً، ذلك نتيجة تغييرات في الدور الاجتماعي للمرأة السورية والذي لم يكن في كثير من الأحيان نابع عن رغبتها وإنّما فرضته عليها الظروف، حيث ظهرت أسباب كثيرة منها تخلي الرجل عن دوره لصالح التحاقه بالقتال، أو اختفائه، وحتى موته في أحيانٍ كثيرة.
واستطاع الخطاب النسوي في الداخل السوري خلال السنوات الماضية وفقاً لزكزك خلق وعي مجتمعي أولي بأنّ هناك تمييزاً ضد النساء، لكنه لم يتمكن من تحويل هذا الوعي إلى حراك مجتمعي بسبب قانون الجمعيات السوري لعام 1958 الذي يمنع تشكيل وعمل أي جمعية نسائية، إضافة للقبضة الأمنية الشديدة التي تقمع أي حراك مجتمعي مدني.
ورغم أنّ هذا الحراك النسوي استطاع أن يَفعل تغيير بحياة عدد كبير من الأفراد، لكنه لم يستطع تغيير الواقع السوري وهنا تعتبر د. منى أن "المدخل للتغيير هو التغيير السياسي وليس النسوي. وأن تتوفر بيئة صديقة لحقوق المرأة. وحتى نعمل تغيير في حقوق المرأة يجب معرفة الأولويات المجتمعية واحتياجات النساء".
لكن هذا الانفراج في حركة النساء السوريات عكرته السياسة واستعصاء الوضع السوري على الحل وانقسامه سياسياً، ما أدخل سورية في دوامة العنف والتشتت، الذي انعكس سلباً على وضع النساء ودورهن في الحياة السياسية والثقافية.
وهذا الانقسام أثر على وحدة الأجندة النسوية لجهة العلاقة مع السلطة القائمة، وتقول زكزك "برز لدينا تياران، تيار يدعو لإبقاء السلطة مع تحسينات طفيفة، وتيار يدعو لإسقاط السلطة مع رموزها. ما أثر على فرص عمل المنظمات النسائية مع بعضها البعض". وربما للوصول لحركة نسوية جامعة.
كما أن هذا الانقسام السياسي بين النسويات لم يؤثر فقط على أجندة العمل النسوي، وإنما وفقاً لما صرحت به أسماء كفتارو خلق شرخاً كبيراً بينهن وأصبحن تحت مسميات (الحمائم والصقور)، ولم تستطع النسويات فصل الأوراق لأجل تحقيق المشاركة الفاعلة للنساء في بناء السلام. كما أنه مزق حالة وجود حركة نسوية متجانسة وفقاً لرأي د. منى.
بالتالي فإن قضية المرأة السورية لم تنجو من تجاذبات التشظي السياسي وتداعياته، وكانت المتضرر الأكبر منه، ولا يمكن اعتبار قضيتها فردية، بل هي قضية مجتمعية تتصل بمدى تطور المجتمع.
كما أنّ أي حراك نسوي يهدف لتحصيل حقوق المرأة، لا بد له من امتلاك الأدوات المناسبة داخل بنية المجتمع ليشكل حالة اجتماعية وسياسية مُمارسة فعلاً وليس قولاً، تُساهم وتُشارك في عملية التغيير. ومن هذه الأدوات حسب د. منى "أن يكون للمجموعات المدنية تمثيل سياسي تنخرط به النساء لتحقيق التغيير".
ولم ينته الجدل النسوي عند دور الحراك وأجندته وموقفه، بل امتد لسؤال هل ينبغي على الحراك النسوي الانخراط بالعمل السياسي؟ وهنا أتى المبعوث الخاص لسوريا سابقاً دي مستورا وبعد فشله بالتوصل لتسوية سياسية بين أطراف الصراع، شكل المجلس الاستشاري النسوي، وغرفة دعم المجتمع المدني، ما أبعد النساء عن الدخول في العملية التفاوضية وأعطاهن الصفة الاستشارية. وهنا تُشير د. منى إلى أنّ "كل الكلام عن دور المجتمع المدني دون انخراطه بالسياسة يبقى كلام بكلام".
في حين ترى زكزك أنّه ليس مطلوباً من الحركة النسوية أنً تكون سياسية بمعنى الاستقطاب السياسي ولكن يجب أن تلعب دوراً في صياغة السياسات العامة مثل حملات تغيير القوانين.
لكن هذا الاستقطاب السياسي رغم حدته، ووفقاً لعميدة الحراك النسوي نوال اليازجي لم يُؤثر من حيث الجوهر على مواقف الناشطات من الديمقراطية وحقوق النساء الإنسانية التي يمكن اعتبارها قضية جامعة تخلق أساساً مكيناً لإحداث حالة نهضوية نسوية مؤثرة فيما يلي حالة الصراع الدائر حالياً.
بالنتيجة أهم تحدٍّ واجه الحراك النسوي السوري تمثل في مواجهة التنوع المجتمعي الكبير والتعدد المذهبي والفكري، والانقسام السياسي الحاد والعميق، إضافة لاستقطاب الرأي العام بشكل فاعل نحو دعم قضية المرآة السورية.
وحيال هذه التحديات ترى د. منى أنه "يجب أن تتضمن أي تسوية حدّاً أدنى من مراعاة قضايا الجندر وقضايا حقوق النساء، أما لفلفة القصص دون التأسيس للمستقبل فيجعل سورية بلداً ضعيفاً ومستهدفاً بغض النظر عمن في السلطة".
تختم عميدة الحراك النسوي السوري نوال يازجي حديثها لـ Q street journal أننا نستخدم كلمة النسوية مجازاً، وربما كان الأصح أن نسميها حركة "حقوق النساء الإنسانية" أو "الحركة النسوية الديمقراطية" التي ترتكز أساساً على شرعة حقوق الإنسان والمواثيق الدولية ذات الصلة".
لكن رغم كل هذا الجدل عن الحراك النسوي السوري، إلا أنهن يتفقن وفقاً لليازجي بتجريم كل شكل من أشكال التمييز أو العنف ضد النساء في الأسرة والمجتمع بضمانات دستورية وبمشاركة سياسية فاعلة للنساء في العملية السياسية الجارية بشأن صناعة السلام في سورية وفي جميع الآليات المؤسسية التي تنتج عنها.
بالنتيجة ظهرت الكثير من المنظمات والشبكات والمبادرات النسوية السورية، والتي نقلت الواقع النسوي السوري من حالة الجمود والاستعصاء، ومن كونه واقعاً مُستتبعاً للسلطة ويدور في فلكها، إلى واقع حيوي يناصر قضايا المرأة ويقدم لها الدعم بمختلف مستوياته. لكن بقي دون قدرته على التأثير في مجريات الصراع كنتيجة للاستقطاب السياسي وانقسام الحراك النسوي بين سلطة ومعارضة دون قدرته على التغيير في عمق المجتمع السوري. ويعود ذلك لعدة أسباب أهمها أن جزءاً كبيراً من هذه البرامج والمبادرات النسوية لم ينبع من الحاجة الماسة لرفع الوعي لدى النساء وتمكينهن إنما كان نتاج الأجندة الخارجية التي تدعم قضايا المرأة وتمولها.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: