Sunday April 20, 2025     
00
:
00
:
00
  • Street journal

نصر حامد أبو زيد.. الرجل الهادئ الذي لاحقه الإشكاليون

نصر حامد أبو زيد.. الرجل الهادئ الذي لاحقه الإشكاليون

 

 

 

أحمد محمد السح

 

لم يكنْ يريدُ أن يظنّ الغرب أنه ضدّ الإسلام، لذلك فقد تلا الشهادتين في أولِ محاضرةٍ له في هولندا بعد أن طُرِد من مصر، المفكّر الإنساني المصري المتخصص بعلوم الإسلام نصر حامد أبو زيد (1943\2010) الذي أثار الجدل في حياته، وخطفه الموتُ بعد إصابته بفيروسٍ مجهول فكانت حياته وموته حالتان مثيرتان كغلافٍ لحياةٍ ملأها الفكر المنطلق من هموم الناس وطوقتها المعاناة.

لم يستطع أبو زيد أن يكمل دراستهُ الجامعية بسبب فقر الحال الذي طوّق أسرته البسيطة التي عاشت في مدينة طنطا – قرية قحافة في مصر، لكنّه قرر تحدي الصعاب، فدرس الأدب العربي بعد أن عمل موظفاً في مقسم، وتخرج منه سنة اثنين وسبعين وتسعمئة وألف، واستكمل دراساته العليا متخصصاً في العلوم الإسلامية وهنا حدثت المفارقةُ في حياته!!

نظر أبو زيد إلى النص الديني كنصٍ سردي يمكن الإفادة منه للتنبيه والاعتبار رافضاً الالتزام بحرّفيته! فانتقد بذلك التقديس الذي أحاط الكتب الدينية حيث تبنى أسوار الأسس الدينية الصماء المغلقة، وطلب تحويل الأمر إلى عملية نبش واستقصاء في مفاصل النص لتُخلّصه من الموروث التاريخي الذي يتناقض مع تطوّر الحياة وتقدّمها. أطلق المفكر المصري صرخته الكبرى حين طالب بالانقلاب على الجمود الفكري "قبل أن يجرفنا الطوفان".

دفع نصر أبو زيد ثمناً غالياً لأفكاره من سيرته وسمعته وحتى حياته الشخصية، فكان في طرحه لفكرة "التفكير في مواجهة التكفير" وفي رسالته التي قدمها لنيل شهادة استاذ (نقد الخطاب الديني) كانت بمثابة بركان انفجر في وجهه، ومع أن نشأته الفكرية كانت مع جماعة الإخوان المسلمين التي سرعان ما انشق عنها، ليقدم رسالة الماجستير بعنوان (هكذا تكلّم ابن عربي) الذي يكرهه الإخوان، هذه الكتب تسببت بتكفيره وإصدار حكمٍ شرعي بتطليق زوجه منه، لأنه كافرٌ مرتدّ وزوجه مسلمة، فكان أثناء هذا الحكم مسافراً خارج بلاده فبقي في الخارج حتى إصابته بالمرض فعاد إلى بلاده ليموت ويدفن فيها.

حاول أبو زيد أن يغيّر السلطة الأحادية في تفسير النص القرآني، واعتماد لغة واحدة هي لغة قديمة قالها القدامى في تفسير القرآن وكأن التفكير قد تعطّل بعدها، فالنص الديني تحوّل إلى نص سياسي، استعمل السلطة السياسية للوقوف في وجه التطور الديني باعتبار أن هناك عدداً من الناس تعتبر أن كل كلمة قرآنية هي كلمة لا تقبل حتى مجرد النقاش وبدأ الإشكال من خلال "تقنية القصّ الفني في القرآن" أي أن القصص التي وردت في القرآن الكريم قد لا تكون قد حدثت إنما ذكرت لمجرد ضرب المثل والأخذ بالعبرة، وأخذ على عاتقه إحياء أدوات تفكير المعتزلة في تفسير القرآن، ولكن بمفهوم معاصر، وهذا ما سارع في إطلاق صرخات السلفيين في وجهه فالسلفيون يرفضون مذهب وعقليات المعتزلة رفضاً قاطعاً، فلجأ أعداؤه إلى التشكيك في منهجية بحثه العلمي بأسلوب الصراخ والشتائم دون أن يظهر مجرد كتاب واحد ينتقد طريقته أو منهجيته العلمية أو تفنيده وفق أي أسلوب أو منهج بحث علمي معروف، وهذه طريقة الجهلاء من مواجهته والتهرب من أي نقاش علمي مفيد معه.

عشر سنواتٍ مرت على رحيل نصر حامد أبو زيد، ولازال أعداء الفكر يعيثون في الأرض والعقول فساداً في كل أنحاء المنطقة العربية، لكن المؤكد أن أفكاره قد جُمِعت في كتبه التي لا يمكن أن تمحى وهي خطوة واسعة في طريق التنوير الفكري الذي نحتاجه اليوم ونسعى للوصول إليه.

 

 

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: