وزارة المالية تسلخ جلود التجار والحملان
لا جديد يذكر على القانون الضريبي السوري، الذي فشل في تحقيق أهم أهدافه وهي العدالة، وما يزال الفساد ينخر بنيته الأساسية كما يصفه التاجر علي (تاجر أقمشة)، وعند سؤاله عن الورشات المقامة لإصلاح قانون الضرائب، قال علي " ضرائب الدخل المقطوع تفرض علينا جزافاً منذ عشرات السنوات سواء حقق المحل التجاري أرباحاً أو لم يحقق، هو نفس الأسلوب لم يتغير، لذا لا فائدة من هكذا ورشات ما لم تغير وزارة المالية من عقليتها".
لم يخترق رتابة مناقشات ورشة "السياسة المالية في سوريا ...الواقع والخيارات الممكنة" التي أقيمت في مبنى الاتحاد العام لنقابات العمال قبل أيام بدمشق سوى أصوات تحدثت بجرأة أكبر و"وضعت أصبعها على الجرح"، حيث ضمت الورشة عدد من أساتذة الاقتصاد والخبراء وبحضور وزير المالية د. مأمون حمدان.
وما لبثت درجات الحرارة أن ارتفعت عن معدلاتها بقليل داخل القاعة، عندما وصف أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق د. إبراهيم العدي النظام الضريبي في سوريا، بالبالي، حيث كان النظام مطبقاً في فرنسا 1932، وترجم في سوريا عام 1949 بعهد حسني الزعيم، وما يزال يطبق حتى اليوم، بشكل لا يمكن تصوره، متسائلاً: لماذا الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال عجزت عن تغيير القانون؟.
واستهجن د.العدي استمرار العمل بنظام الضرائب النوعية، الذي تخلت عنه أغلب دول العالم، إلا سوريا ونيجريا.
وكشف د. العدي بأنه لا يوجد تاجر حالياً يقدم بيانات ضريبية سليمة بسبب عدم عدالة القانون، فيمكنك أن تسأله عن المخدرات لكن لا تسأله عن الفاتورة، مضيفاً أن القانون الضريبي 24 لعام 2003، عدل في عام 2005 و2003 وحتى 2007، وهذا يدل على أنه لم يكن مدروساً ولم يختلف بكثير عن قانون 1949، "فتصورا كيف أن الجامعات الخاصة فرض عليها قانون ضريبة الدخل المقطوع، مع أنها من أسهل المؤسسات التي يمكن ضبط أرباحها، وعندما اكتشفت الحكومة تخبطها تراجعت عنه" !!!.
وانتقد د.العدي بشدة القانون التشريعي الضريبي 60 لعام 2004 ورأى أنه يشرعن الفساد، حيث تجري كل مناقصات وتعهدات الدولة الخاصة بالقطاع الحكومي عن طريق الحجز الضريبي عند المنبع.
وقال " في النظام الضريبي السوري حتى عام 2003 مادة تقول : تعفى الأغنام العائدة للأديرة والتكايا وفقاً للفراميل السلطانية العثمانية النافذة". في إشارة إلى استمرار العمل بقوانين الاحتلال العثماني.
و استخدم العدي مثلاً شعبياً: (قص صوف الأكباش أفضل بكثير من سلخ جلود الحملان)، كأفضل طريقة لمحاربة التهرب الضريبي برأيه.
والتساؤل الذي يطرحه المتابعون اليوم، هل ستخرج كل هذه الورشات بإجراءات فعلية لمحاربة الفساد، وإلغاء قوانين أكل عليها الزمن وشرب؟ وهل سينتهي عصر التهرب الضريبي، أم أن كبار الأكباش سيستمرون بنطح القانون، فليست هي الورشة الأولى عن السياسة المالية والإصلاح الضريبي، ولن تكون الأخيرة، بل سبقها عدد كبير من اللقاءات في غرف التجارة والجامعات، وكأنك يا "أبو زيد ما غزيت" ومع توزر كل وزير للمالية يعاد الحديث مرة أخرى عن ضرورة الإصلاح، لكنها وعود تتبخر مع نهاية تسلمه لكرسي الوزارة.
هذه المشكلة جاءت متطابقة مع حديث عضو غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق في وقت سابق بأن العلاقة بين التاجر والمالية تشبه علاقة "توم وجيري"، موضحاً أن التشريعات هي السبب الأساسي في التهرب الضريبي والتزوير في الفواتير، ولو كانت القوانين عادلة فالتجار مستعدون للتعامل بشفافية ودفع ما يترتب عليهم من ضرائب.
وما يدل على تلك العلاقة المريضة بين التجار و"المالية"، هو زيادة الضريبة المقطوعة المفروضة على المحلات التجارية إلى أضعاف مضاعفة خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث ارتفعت الضريبة على بعض محلات الذهب في سوق الصاغة من نحو 50 ألف ل.س في عام 2015 حتى 400 ألف ل.س في عام 2017، وقد وصلت إلى أكثر من مليون ل.س في بعض المحلات، والرقم يعود لتقدير مراقب الدخل الذي ربما يضع قيمة الضريبة بناء على أهواء شخصية وليس بناء على فواتير رسمية نتيجة انعدام الثقة بين التجار وعدوهم اللدود، وزارة المالية.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: