Sunday November 24, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

للمدن ذاكرة لا تمحى

للمدن ذاكرة لا تمحى

حبيب شحادة

رغم طحن رحى الأزمة/الحرب السورية الحجر قبل البشر على امتداد ثمانية سنوات، إلا أنّها لم تستطع قلع جذور السوريين من أرضهم، ولا محو ذاكرتهم المليئة بعبق التاريخ الممتد على ألاف السنين. حتى داعش التي دمرت أثار تدمر ونهبتها، لم تستطع بالنهاية اقتلاع تاريخ وجذور تلك المدينة الأثرية، فإن استطاعوا محو تلك الجغرافيا، لن يستطيعوا محو التاريخ القابع فيها منذ سنين غابرة.

إلا أنّه ليس للحروب وحدها الدور التخريبي والتدميري للأثار، بل هناك من هم أسوأ بكثير من الحرب وتداعياتها، إنّهم المتاجرون بهذه الحروب والأزمات المنبثقة عنها، الذين يعتاشون على الفساد المؤسساتي الذي تحول لوحش يمكنه اقتلاع التاريخ والجغرافيا، وتغيير الزمان والمكان لكثير من المواقع الأثرية.

ما حدث في صافيتا من إعادة ترميم لواجهة البرج الأثري، لا يمكن اعتباره إلا جزءاً من محاولات تغيير وتغييب لتاريخ طويل وعريق من جهة، وعملية فساد مُقننة ضمن القانون 51 "قانون العقود"، الساري المفعول للتعاقد في المؤسسات الحكومية لتنفيذ مشاريع ترميم وبناء، وغيرها الكثير من الصفقات التي تُبنى وتدار من قبل مافيات الفساد الحكومية والمتعهدين المرتبطين بها.

ورغم أنّ قانون الآثار يمنع الترميم باستخدام الباطون "الإسمنت"، إلا أنّ ذلك يبقى حبراً على ورق، أمام قوة باطون الفساد المستشري والقادر على تغيير كل معالم الحياة التراثية في سوريا.

يرى المحامي مصطفى إسماعيل، أنّ المشكلة تكمن في آلية التعاقد، وتحديداً القانون رقم 51 الذي يتم بناء عليه عقد الكثير من الصفقات وضمن القانون نفسه، لكسب المزيد من المال بغض النظر عن ماهية هذه الصفقات، حتى وإن كانت تضرّ بالمصلحة العامة أو بتاريخ الشعوب، مشيراً إلى أنّ ما يهم الفاسدين مكاسبهم الشخصية فقط.

لكن ليس برج صافيتا وحيداً أمام تغيير ملامح العديد من المواقع الأثرية ومحوها من ذاكرة السوريين بشكل نهائي، إنّما هناك الواجهة الأثرية لكازينو اللاذقية التي يتم تهديمها بالكامل اليوم، ربّما كونها الوحيدة الباقية من كورنيش اللاذقية القديم. الذي بُني عام 1929. وهناك الكثير غيره.

كل دول العالم تسعى لحماية آثارها، التي تشكل هويتها التاريخية، ووجدان شعوبها، وتحديداً خلال الأزمات والحروب، إلا أنّ هناك جزءاً من الفاسدين من يقوم خلال الحرب، وربّما بعدها ببيع آثار بلدهم وتغيير معالمها بما يخدم جيبوهم.

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: