Sunday November 24, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

"جرزة البقلة" مثال حي على الفوضى الاقتصادية في الأسواق

"جرزة البقلة" مثال حي على الفوضى الاقتصادية في الأسواق

 

خاص- كريم مهند شمس

لم تتمكن الحجة "أم عبدو" من فهم العلاقة السرية بين مفهومي العرض والطلب وتضاعف سعر "جرزة البقلة" ثلاث مرات أبداً، مهما حاول ابنها عبدو توضيح ذلك لها، فهي على عكس تجار مدينتها ليست معنية بالقواعد الاقتصادية ولا يهمها كيف تتم عملية التسعير هناك، إنما فقط تزعجها فكرة ارتفاع كلفة "صحن الفتوش" الذي يعتبر من أساسيات مائدة رمضان.

لم يعد الأمر حكراً على الخضروات والغذائيات، ففي أسواق تحكمها سياسة التسعير الفردي وتغيب عن ساحاتها زنود تطبق القصاص على المسؤولين الحقيقيين عن التلاعب بالأسعار وحالة الفوضى تلك، يُصبح سعر كل سلعة مهما كانت، محكوماً بعدة معايير وكأنها تحفة أو حجر نادر يقرر صاحبه القيمة التي يستحقها بمنتهى النسبية.

وتلك المعايير هي مدى حاجة المواطن للسلعة، الكم الذي يحتاجها فيه، المكان أو الآلية التي يتم تحصيلها بها، وأخيراً مواسم ذروة الحاجة لها، والتي تعد بشكل أو بآخر العواميد الرئيسية التي يستند عليها مفهوما العرض والطلب.

"جرزة البقلة" تلك التي لا تملأ عين أحد غير "أم عبدو" هي خير شارح للعلاقة بين المعايير هذه وأسعار المواد التموينية في أسواق بلادنا، فهي كمادة إضافية تُستخدم لتزيين "صحن فتوش" ولا تُعتبر من المواد التي سيموت المواطن السوري دونها، ولذلك فإن ثلاثة أضعاف تكفي بعكس مادة البنزين مثلاً التي بلغ ثمنها أضعافاً مضاعفةَ بأوقات الحاجة لها، فيما يرتبط ارتفاع الطلب عليها بالموسم الرمضاني حيث من الضروري تواجدها على مائدة الإفطار، وبما أن السوق السوداء غير معنية بالتلاعب بسعر "البقلة" فإن المواطن سينجو من دفع "دم قلبه" ثمناً لها.

وأخيراً فإن "البقلة" التي ستشتريها من أسواق إحدى المناطق الراقية تختلف قيمتها عن نظيرتها في أطراف العاصمة، فيبدو أن المزارع الذي سقى تلك البقلة قد أدرج توقيعه الخاص واسم علامته التجارية على كل واحدة منها في أسواق منطقة المالكي، فيما ترك بقية الخضراوات بالأماكن الأخرى دون توقيعه وهو المبرر المنطقي الوحيد لاختلاف السعر بينهما.

ستبقى القدرة الشرائية للمواطن السوري تتآكل أكثر فأكثر في ظل الفوضى الاقتصادية التي تعيشها أسواقنا وبشكل أكبر أسواق العاصمة، وقد يصبح من المنطقي في مرحلة ما أن نعود إلى نظام المقايضة الاقتصادي الذي طوّره أسلافنا علّنا نتمكن من السيطرة على أسعار السلع، وهكذا يصبح بإمكاننا أن ندفع ثمن الحليب بالبيض، وثمن اللحوم بالدجاج، وثمن المحروقات بأولادنا وأحصنتنا.

 

 

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: