أهداف "واشنطن" من اتفاقها مع "أنقرة" !

محمد نادر العمري
رغم أن الاتفاق التركي الأمريكي مازال غامض في تفاصيله أو أنه لم يتضمن التوافق على كل المراحل بل كما وصفه الرئيس التركي بأنه تم الاتفاق على خطوط الأولى، إلا أن هذا الاتفاق يسجل خرقاً لكل الاتفاقات والقرارات الدولية التي صدرت لحل الأزمة السورية، وبخاصة القرار 2254 الذي يعتبر مرجعية في إيجاد الظروف والوسائل المناسبة لدفع العملية السياسية، كما أن هذا الاتفاق تضمن بنوداً حسب الادعاءات التركية سواء بعمق المنطقة وإدارتها فإنه سيكون شرارة اشتباك جديدة على مستوى المنطقة ومن شأنه أن يعيد توزع الاصطفافات السياسية داخل وخارج الخارطة الإقليمية.
الواضح أن الأمريكي في نهاية الأمر يريد مصالحه على حساب حلفائها، ولكن هل فعلا أمريكا ستضحي بالقوات الكردية فعلاً..؟ وهل أصبحت "قسد" ضحية ومجرد بيدق بعدما تقصدت واشنطن أن تكون شوكة مزعجة ليس ضد سوريا فحسب، بل ضد دول الإقليم بشكل عام ....؟
للإجابة على ذلك لابد من التوقف عند عدة مؤشرات من شأنها أن تضعنا في دائرة التعامل الأمريكي مع حلفائها الخصوم:
أولاً: إعلان البنتاغون قبل يوم واحد من التوصل لاتفاق أولي حول المنطقة الآمنة عن احتمال عودة "داعش" للنمو في المنطقة، وهذا الإعلان يأت في سياق تبرير دعم حلفائها المحليين من ميليشيا "قسد"، وتبرير بقاء قواتها في المنطقة قبل الدخول في موسم الانتخابات الأمريكية، ولاسيما أن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" قدم وعوداً بسحب قوات بلادها من "أفغانستان" و"العراق" و"سوريا" ويريد تبرير بقائها.
ثانياً: وصول أكثر من 200 شحنة لميليشيات "قسد" قبل يومين من الاتفاق تتضمن عربات وأسلحة.
ثالثاً: إعلان الزعيم الكردي "عبد الله أوجلان" من سجنه استعداده حل الصراع بين "أنقرة" و"الأكراد" (خلال مدة أسبوع)، بعد يومين على وصول "تركيا" و"أمريكا" إلى اتفاق لتأسيس "منطقة آمنة" شمال سوريا.
هذه المؤشرات تدلل أن الهدف الأمريكي من هذا الاتفاق الوصول إلى أحد النقاط التالية أو جميعها:
1. محاولة واشنطن احتواء السلوك التركي بالقيام بعمل عسكري ضد حلفاءها الأكراد، الأمر الذي يعرض قواتها للخطر، وهذا قد تشكل احتمال نشوب صراع مباشر أو غير مباشر لأول مرة بين دول حلف "الناتو" ويزيد من التوجه الروسي في علاقاته الدافئة مع إيران وروسيا.
2. كسب الوقت في جهد واشنطن للاستمرار في إنجاح محاولة عراب العلاقة التركية الأمريكية "جيمس جيفري"، للتوصل لسلام بين القوى الكردية وتركيا، وقد يشكل هذا الاتفاق نموذج مصغر عما حصل في منبج من مماطلة، وهذا مايفسر تصريح وزير الخارجية التركي"جاويش اوغلو" الذي حذر واشنطن من ذلك، وفي ذات الوقت تصريحات بعض قيادات قسد عن ثقتهم بالاتفاق الامريكي.
3. الرغبة الأمريكية في اصطياد عدة عصافير بحجر واحد، أولاً دك أسفين الخلاف بين محور أستانا، الانسحاب الآمن والمطمئن لقوات احتلالها مع إبقاء نفوذها السياسي على حلفائها، ومنع الجيش السوري من الوصول لهذه المنطقة وحرمان الحكومة السورية من استفادة من ثرواتها في إطار الحصار المفروض عليها.
ذريعة أنقرة بإقامة "المنطقة الآمنة" لحماية آمنها القومي من الخطر الكردي هي مجرد ذريعة واهية لأن مثل هذه المخاوف يمكن أن تبدد في العودة لاتفاقية أضنة التي عرضها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقمة سوتشي، وإعادة اللاجئين أيضاً ذريعة تركيا ثانية لتبرير إحداث تغير ديمواغرفي يمهد للانفصال مع الذكرى المئوية لاتفاقية (لوزان) 2023 والتي طالب اردوغان بتمزيقها وضم حلب والموصل.
هذا الاتفاق الذي يمكن تصنيفه بأنه حمال أكثر من وجه قد يكون فرصة أخيرة للقوى الكردية بتصحيح مسار علاقاتها مع دمشق، ليست هي فحسب بل الدول الخليجية التي تدعمها وفي مقدمتهم السعودي والإماراتي اللذان أصبحا ضحية ثانية في هذا الاتفاق.
ودمشق من المؤكد لن تقبل بعد تضحيات أكثر من ثمان سنوات أن تقسم سيادتها وعليها دعم وفتح بوابة المعارضة الشعبية في استنزاف الاحتلالين التركي والأمريكي.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: