جوان جان: أزمة الأعمال الكوميدية أزمة تمويل
محمد الواوي
"إذا الوطن غلطان، أنا معو لأنو فقير معتر متلي بردان أنا تيابو. سخنان أنا رقبتو. ختيار أنا عكازتو"، عبارات ما تزال مطبوعة على شفاه أبناء حقبة القرن الماضي ممن عاصر أفلام ومسلسلات غوار الطوشة ( دريد لحام)، فكلما حن جزء كبير من السوريين بمختلف أجيالهم إلى مشاهدة الأعمال الكوميدية الحقيقية تعود بهم الذاكرة إلى مسلسلات وأفلام دريد ونهاد قلعي وياسين بقوش، أعمال يصفها الكتاب بالفترة الذهبية للكوميديا السورية التي خلدت في أذهان المشاهد بعد عشرات السنوات على إنتاجها، وسواء حصدت الكوميديا السورية المعاصرة كسلسلة (مرايا) و(بقعة ضوء) وغيرها نجاحات باهرة على غرار حقبة عمالقة الكوميديا أم لم تحقق، فإن معظم النقاد والكتاب يجمعون على أن الكوميديا سواء في المسرح والسينما والدراما انحدرت لأسباب متعددة.
يرى نضال قوشحة (ناقد سينمائي)، أن السينما السورية في الـ30 سنة الأخيرة لم تنتج كماً كبيراً، فلم تظهر لا بالمجال الكوميدي ولا غيره بشكل قوي. واقتصر وجودها في الشكل الكوميدي على سينما القطاع الخاص وتحديداً في سينما دريد لحام ونهاد قلعي، حيث صنعا مجموعة من الأفلام بدأت بـ (عقد اللولو) مع تحسين القوادري و نادر بيك الأتاسي إنتاجياً، ويوسف معلوف مخرجاً، واستمروا في (لقاء في تدمر) (فندق الأحلام) و (خياط السيدات) ... وهي مجموعة أفلام ذات طابع كوميدي كون الشخصيتين كوميديتين، فاستغلت السينما الخاصة وجودهم وصنعت مجموعة من الأفلام، وكان هناك أيضاً زياد مولوي الذي أنتج بعض الأفلام وناجي جبر، وبعض الأسماء الأخرى، لكن الخط لم يكن واضحاً، واستمر الحال حتى بواكير السبعينيات من القرن العشرين، عندما نزل مستوى الإنتاج السوري إجمالاً ليغيب معه الخط الكوميدي للسينما السورية.
يقول قوشحة "في سينما القطاع العام ظهرت الكوميديا لكن ليس على شكل فيلم كامل كوميدي، فإما تظهر شخصيات كوميدية أو مواقف كوميدية محددة، لعلي أحدد هنا تجربة عبد اللطيف عبد الحميد في عدة أفلام من (ليالي ابن آوى) سنة 1989، وصولاً إلى عدة أفلام لاحقة، شخصيات تقدم أفعال كوميدية ومضحكة وخاصة فيلم (رسائل شفهية) من بطولة فايز قزق، حيث حقق إيرادات مرتفعة، بعد ذلك قدم عبد الحميد أفلاماً ليست كوميدية وإن كانت تتضمن جوانب الكوميديا".
ويضيق قوشحة بالقول "أما الآن فقد انحرفت السينما السورية وخاصة بعد الأزمة نحو مواضيع موغلة في التراجيديا. لذا يعتبر العقد الذهبي للكوميديا السورية هو فترة من أوائل الستينيات إلى أواسط السبعينيات".
ويشدد قوشحة بأن الأزمة في الكوميديا السورية ليست مادية، فالإمكانية المالية متواجدة، لكن إمكانية استرجاعها غير متوفرة، فهي أزمة ترويجية وليست مالية، ففي مصر استمرت السينما لأن المنتج المصري يستعيد رأس ماله ويحقق أرباح من داخل السوق نفسها من خلال مئات صالات العرض، في حين يوجد في دمشق التي يقطنها نحو 8 مليون نسمة 3 صالات سينما فقط، اثنتان منهما حكومية، وهو "كلام غريب".
من جهته، يرجع جوان جان (كاتب مسرحي) انحدار الكوميديا في المسرح لعدة أسباب أهمها أن الفرق الكوميدية المزدهرة في الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات تلاشت ولم يعد لها وجود بسبب أن معظم الفنانين، أصحاب هذه الفرق، توفوا أو توقفوا عن العمل، مثل فرقة محمود جبر، عبد اللطيف فتحي ،سعد الدين بقدونس، مروان قنوع، ياسين بقوش..... ولكل منهم فرقته الخاصة فيما نسميه المسرح الشعبي.
ويشرح جان أسباب التراجع بغياب الأجيال التي قدرت أن تمارس نفس النشاط المسرحي، فتكلفة العمل تضاعفت عدة مرات، في نفس الوقت الذي تراجعت فيه القدرة الشرائية للمواطن السوري، ومن ناحية أخرى يفضل نجوم الكوميديا الحاليين العمل في التلفزيون، وعندما يعملون في المسرح لا يوفقون بنصوص تحصل على جماهيرية.
يشيد جان بتجارب (المسرح القومي) الذي قدم من خلال أيمن زيدان بعض الأعمال الكوميدية، كما قدم الدكتور عجاج سليم أعمال ناجحة، وهناك مخرجون يقدمون بعض الأعمال بين الفينة والأخرى، متل الدكتور تامر العربيد، لكنها لا تشكل ظاهرة دائمة مستمرة، على عكس حقبة الستينيات عندما برز (المسرح العسكري) من خلال عمل الفنان الراحل محمود جبر، كما ظهرت في السبعينيات (أسرة تشرين) حين كان دريد اللحام مخرجاً ومحمد الماغوط كاتباً، كما ضمت نخبة الكوميديا آنذاك مثل نهاد قلعي وياسر العظمة وعمر حجو......
يربط جان أزمة الأعمال الكوميدية بأزمة تمويل المسرح بشكل عام، كما أن النص الكوميدي في المسرح أصبح نادراً، ويعرج جان بشكل بانورامي على الكوميديا بكافة أشكال ظهورها، فلا يوجد حل وسط في الكوميديا، أما أن يكون العمل باهراً مثل ضيعة ضايعة والخربة وصح النوم....... أو مسلسلات فاشلة.
ويكمل الكاتب المسرحي جوان جان حديثه "حتى في فترة السبعينيات كان هناك أعمال كوميدية هابطة لكنها محيت من الذاكرة في وقت ترافق فيه مع أعمال ناجحة. واعتبر أن ممدوح حمادة أهم كاتب كوميدي في التلفزيون، فهو يكتب بطريقة نقدية وساخرة، رغم أنه لم يكن موفقاً في عمله الأخير (الواق الواق) وأراه من الأعمال الفاشلة بدليل أنه لم يعرض بعد ذلك".
يتفق سامر محمد إسماعيل (كاتب) مع فكرة تراجع الكوميديا السورية حتى في الدراما، مبيناً أن الواقع تجاوز المخيلة وأصبح أكثر تسلية وإضحاكاً من أي مقترح تلفزيوني يمكن تقديمه اليوم، وهذه المفارقة لم تكن لتحصل لولا الظرف الاستثنائي للأزمة الذي فاقم أزمات عديدة، فجعل الخيارات صعبة للغاية لتقديم محاكاة تتجاوز هذا الواقع أو تضيف عليه فتنقده أو تنقضه.
كما يشير إسماعيل أن الكوميديا السورية تراوح منذ فترة طويلة في مكانين اثنين: الأول هو التهكم والسخرية من الواقع وهذا النوع كان يضحك من المثال الاجتماعي، أما السياق الثاني فله علاقة بالمثال الاخلاقي وهذا للأسف كان مطباً للكوميديا السورية التي تناولت الفساد في أعمال كثيرة منها مثل أعمال الفنان ياسر العظمة، أو (بقعة ضوء)، وما شابهها، فكرست هذه الأعمال الفساد وآلياته. لذا فإن المهمة صعبة على الكاتب أولاً والمخرج ثانياً.
ويوضح إسماعيل بأن ما يسمى الكوميديا السورية، لم تكمل ما بدأه الرواد على يد الفنانين نهاد قلعي ودريد لحام في (صح النوم) وغيرها من الأعمال البريئة، وما وقعت فيه الكوميديا له علاقة باللهجات التي شوهت الريف في معظمها وتناولته كبيئة للضحك والإضحاك على حساب الغنى الثقافي والاجتماعي الذي تتصف به الأرياف السورية، لذلك رأينا أن الريف السوري كان مضحكاً في حين كانت المدينة دائماً ما تقدم على أنها مادة للدراما الوازنة والتراجيديا.
ويختم إسماعيل "أمثلة جديدة قدمت وباءت بالفشل مثل عمل (الواق الواق) الذي لم يلق هذا النجاح المنتظر، بل حتى أن الأعمال الأخيرة من (بقعة ضوء) اجترت ما كانت قدمته في الماضي، لذا يجب أن نفكر بخيارات جديدة غير القديمة بحيث نتجه نحو أعمال لها طابع ترفيهي بعيداً عن الأزمة ومفرزاتها.
يمكن القول بأن لكل مرحلة صناعتها الكوميدية الخاصة بها، ولا يمكن نكران النجاح الذي حققته بعض الأعمال الكوميدية بدرجات متفاوتة ما بين فترة التسعينيات وحتى اليوم، كان ذلك في المسرح أو التلفزيون، لكن يبقى "كاسك يا وطن" ومثيله، خمر معتق يرتشفه السوريون مرات متكررة دون ملل.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: