«واشنطن» نحو سياسة «النهب المكشوف» !
د.مدين علي
تصريحات متكررة و معتادة، تصدر من وقتٍ لآخر عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لم يجرؤ على إطلاقها، بصورة صريحة وواضحة، أي رئيس أمريكي سابق، يصرح بها جهاراً نهاراً، من على مختلف المنابر، وفي جميع اللقاءات الأوساط.
تكشف وبصورةٍ سافرة أن لدى الولايات المتحدة الأمريكية أهداف مباشرة ومحددة في الشرق الأوساط تتمثل بالسيطرة على منابع النفط، والرغبة في نهب الخيرات والمقدرات.
تبرز بصورةٍ واضحة عن طريق الإصرار الأمريكي والضغط المستمر على دول الخليج لإبرام اتفاقيات، وتوقيع صفقات شراء سلاح مع الولايات المتحدة الأمريكية، لكن لصوصية السياسة الأمريكية، برزت بصورةٍ أكثر وضوحاً، بعد إعلان ترامب، بقائه في منطقة شرق الفرات، لحماية آبار النفط، ومن ثم إعلانه بصورة لاحقة، عن عزم الولايات المتحدة الأمريكية على استثمار الآبار وسحب النفط.
وفي الواقع إن سياسة النهب، والسيطرة على الموارد الاقتصادية، التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه العالم الخارجي، هي سياسة تقليدية وتاريخية، مارسها جميع رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية تجاه دول المنطقة، وغيرها منذ عقود، لكن الفرق بين سياسات الرؤساء الأمريكيين السابقين، وسياسة الرئيس الراهن (ترامب)، هو أن سياسات السابقين، كانت تأتي ملغومة، ومغلفة بشعارات كبرى، وعناوين براقة، كالدفاع عن حقوق الإنسان، وتعزيز شروط التحول الديموقراطي، ودعم الإصلاحات السياسية والاقتصادية، والتدخل الإنساني، وبناء المؤسسات، وتمكين المجتمعات، ونشر الحداثة والتحضر وغير ذلك من العناوين والشعارات الُبطنة، التي تدغدغ عواطف شعوب المنطقة، التي تعاني من التخلف والفقر، والحاجة للتنمية، والانعتاق من الإرث التاريخي الثقيل للتخلف الاقتصادية والاجتماعي والتكنولوجي.
إنّ استمرار حالة الحرب المستمرة في الشرق الأوسط، ونقلها من دولة إلى أخرى بصورة مخططة ومنهجية، و العمل بكل السبل، لاستمرار مظاهر عدم الاستقرار، ونشر الفوضى والاضطرابات السياسية والاجتماعية، أصبحت حالة طبيعية، في حياة دول المنطقة وشعوبها، تحدد ملامح الإطار العام لتاريخها، إذ أنه وعلى امتداد عقود طويلة من الزمن، ومنذ الاستقلال، لم تخل المنطقة، من حرب صغيرة أو كبيرة ، لعبت دوراً كبيراً في إعادة خلط الأوراق السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، بصورة أسهمن بقوة في إعادة ترتيب الأولويات، وتغيير الاصطفافات والتحالفات السياسية والعسكرية والاقتصادية، وبالتالي أسهمت بقوة، في خلق ديناميات جديدة، صبّت في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، لطالما أنها أضعفت دول المنطقة، وبددت كثيراً من مواردها وثرواتها، وأغرقتها في محيط كبير من العجز المالي، ومستنقع بلا قرار من الفشل التنموي، لكن الأخطر من كل ذلك يتمثل بالتخطيط الأمريكي الممنهج، كي تبقى نيران الحروب مستعرة، وتبقى دورات الصراع مستمرة، وحاضرة بقوة في تحديد مستقبل المنطقة، ورسم مساراتها وخياراتها.
وفي كافة الأحوال، بات من الواضح تماماً، أن قدرة الولايات المتحدة الأمريكية، على المضي قدماً، في سياسات الإملاء والنهب والسيطرة، لا تعد ناجزة، وذات مردود وتأثير جيد في كل الحالات. بمعنى إن نتائج سياسات القرصنة والنهب، التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية، تتوقف على طبيعة رد فعل الجهة المستهدفة، إذ أنها في الوقت الذي تواجهان روسيا والصين الولايات المتحدة، وتحاولان التعامل معها بسياسة التعامل بالمثل، وتسعيان لبناء التحالفات، وخلق الصيغ السياسية والتشكيلات المواجهة، نجد أن الدول العربية، تستمر في سياسة الارتهان، وتمضي قدماً، دون تردد، في سياسة تنفيذ الإملاءات وتطبيق التعليمات، بالإنفاق غير المبرر على مشتريات السلاح، والانخراط في نزاعات وتحالفات وحروب هامشية، لا تخدم مشكلات العرب الاقتصادية، ولا السياسية، ولا قضاياهم الاجتماعية كما لا تخدم مشاريعهم التنموية، بل تستنزف خيراتهم ومواردهم، كثمن لمشتريات سلاح، والإنفاق على الحروب والصراعات، والانخراط كممولين، لا مخططين، في نزاعات إقليمية مكلفة للغاية، وتدفع المنطقة، للغوص عمقاً في مستنقع التخلف والجهل، والابتعاد عن شروط ومتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: