سوريا.. مُقاربات دستورية (4)
حبيب شحادة
ربّما تكون عقدة إنتاج دستور سوري متمثلة في حصول المرأة على حقوقها بالنص الدستوري، وخصوصاً أنّ الكثير من التجارب الدولية تبين أنّ المرأة وصلت لحقوقها كاملة بعد أزمات شديدة مرت بها بلدانها ونذكر على سبيل المثال رواندا وتونس وغيرها العديد من الدول. حيث تبقى السياسة وبجوارها الأعراف والعادات والتقاليد، ناهيك عن الدين المعرقل الأساسي لوصول النساء إلى مواقع المسؤولية ومواقع اتخاذ القرار وليس فقط صنعه.
وعلى الرغم من جميع الأزمات التي مرت بها سوريا وحملت المرأة على عاتقها الجزء الأكبر منها، إلا أنها كانت فرصة لتحصيل البعض من حقوقها وخروجها إلى الحياة العملية بشكل فعلي.
مع بداية الحرب السورية وجدت المنظمات النسوية الفرصة لتحسين واقع المرأة الاجتماعي أولاً ومن ثم الخوض في معترك السياسة، فكان لبعضها تجارب طويلة بالعمل على جندرة الدستور عبر طرح العديد من الرؤى والأفكار وصولاً إلى الاستعانة بخبراء للقيام بذلك.
هذا ما سمح ببروز العديد من الناشطات كفاعلات في الشأن العام. وما كان من المبعوث الخاص السابق دي مستورا إلا أن تلقف تلك الفاعلية وخاض معها بالعديد من النقاط وصولاً لتشكيل المجلس الاستشاري النسوي بشكل مساير لطاولة المفاوضات في جنيف.
إلا أنّ تاريخ المرأة النضالي للمشاركة في الحياة السياسية ليس جديداً على سوريا وكان خاضعاً لتقلبات السياسة ففي عام 1947 نالت المرأة حقها بالانتخاب للمرة الأولى، وفي دستور 1953 حصلت المرأة على درجة سياسية أعلى تمثلت بحقها بالترشح والانتخاب. واليوم وعلى الرغم من حصول المرأة على العديد من حقوقها ومناصرتها لقضاياها وتمتعها بالعديد من المزايا ووصولها لسدة البرلمان إلا أن قضيتها ما زالت تعاني انتقاصاً حقيقياً في حقوقها السياسية منها والمدنية.
واليوم نجد أسماء البعض من نساء المجلس الاستشاري ضمن قائمة اللجنة الدستورية المسربة، لكن رغم وجود العديد منهن ضمن اللجنة، إلا أنّه لا يمكن للمرأة أن تحصل على حقوقها بدون إجراء تدخلي مؤقت يعطي للمرأة حقوقها بالدستور وهو ما يعرف بالكوتا الدستورية.
وُتعدّ الكوتا الدستورية فرصة عبور مرحلية بيد المرأة نحو المجالس النيابية عبر تخصيص حصّة مُعيّنة للنساء من مجموع مقاعد البرلمان والهدف منها (الغرَض من تحديد النسبة) هو أنّ تكون وسيلة للوصول إلى هدف المناصفة بين النساء والرجال كآلية لتحقيق التساوي التام.
حيث أنّ الدستور يستمدّ شرعيته من السيادة الشعبية. والمرأة جزء من الشعب الذي يتحدّث الدستور باسمه، يجب الاعتراف بالمرأة عضواً مُساوياً للرجل. وهذا ما درجت عليه أكثر دول العالم عبر تطبيق نظام الكوتا على أساس النوع الاجتماعي في تشكيل برلماناتها.
بالتالي الكوتا عبارة عن طريقة استثنائية في تكوين المجالس، أي أنّها لا تُطبّق بصورة دائمة بل مؤقّتة، تُحدّد لها فترة زمنية بحسب ظروف كل بلد وهذه الفترة عبارة عن مُهلة تُعطى من جهة للمجتمع كي يألف وجود المرأة على الساحة السياسية. كما تُعطى للمرأة من جهة أخرى كي تتزوّد بالخبرة الضرورية في هذا المجال الذي اسُتبعدَت عنه.
ودلت الممارسة أنّ مُجرّد النصّ على الكوتا النسائية في الدساتير وحده لا يكفي، بل ينبغي أن يقترن بإجراءات مُلزِمة أخرى لتحقيق الغاية الحقيقية منها والتركيز على المضمون وليس العدد فقط. ومن هذه الإجراءات مثلاً اختيار النظام الانتخابي الأفضل.
أخيراً لم يشهد التاريخ السوري إنصافاً للمرأة على جميع الأصعدة، ولم نشهد موضوع الكوتا الدستورية في أي دستور سوري سابق، وإنما اقتصر الأمر على النصّ على مشاركة المرأة في الحياة السياسية من دون تحديد آلية واضحة لهذه المشاركة. وهنا هل تستطعن النساء ومن يحمل لواء النسوية المُتضمنة أسماءهن ضمن اللجنة الدستورية جندرة الدستور القادم لسوريا؟
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: