Saturday November 23, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

آخر المواقع خارج النفوذ الأمريكي في شمال افريقيا

آخر المواقع خارج النفوذ الأمريكي في شمال افريقيا

فارس الجيرودي

تفجر الجدل مجدداً في الساحة الجزائرية حول قدرة الرئيس "عبد العزيز بوتفليقة" على ممارسة السلطة إثر إعلانه الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة للمرة الخامسة على التوالي، وكان التشكيك بقدرة  الرئيس الجزائري على ممارسة السلطة، بدأ إثر تعرضه لجلطتين دماغيتين في العام 2013، يومها كانت الأولوية الأمريكية- القطرية تستلزم تأخير ملف الربيع في الجزائر إلى حين، لضرورات تعبئة الشارع العربي ضد الدولة السورية، وحشد المقاتلين لقتال جيشها، عبر التركيز الإعلامي على ملف واحد صباح-مساء، هو ملف ما سمي بـ«الثورة السورية»، لكن الحال اليوم يبدو مختلفاً تماماً. 

إذ دخلت المواقع الإلكترونية خصوصا ذات التمويل القطري على خط تغطية الاحتجاجات على ترشح الرئيس الجزائري لولاية جديدة، مسخرةً إمكانياتها لتضخيمها «باحترافيتها الإعلامية المعهودة» ،كما كثفت من إطلاق الشائعات عن فرار الرئيس وشقيقه، وعلى التوازي دعت السفارة الأمريكية رعاياها لتوخي الحذر، بقي فقط صناعة «أيقونة ثورية» لهذا الحراك ضد «النظام الفاسد»، على غرار أيقونة أظافر أطفال درعا، الذين اعترف منظر الربيع العربي "عزمي بشارة" في كتابه "درب الآلام" الصادر بعد أربع سنوات على بداية الحرب، بأن قصتهم مجرد مبالغة بلا مصدر موثوق، وأن الجزيرة قامت بترويجها لغرض التعبئة السياسية.

لا شك أن اضطرار الرئيس بوتفليقة للترشح لمدة جديدة وهو يعاني ما يعانيه من وضع صحي سيء، مؤشر سلبي لجهة قدرة الدولة الجزائرية على تجديد بنيتها، فعندما تضطر الدولة للاعتماد على شرعية رجل تجاوز الثمانين، أقعدته أزماته الصحية، فقط لأنه المتبقي من رجالات الثورة الجزائرية، فإن هذا يعني أن الرئيس الجزائري لا يملك ما يكفي من رصيد الشرعية ليحوله إلى غيره، كما فعل الزعيم الكوبي "فيديل كاسترو" مثلاً خلال الأيام الأخيرة من حكمه عندما، تخلى عن السلطة لأخيه راؤول، أو كما فعل الزعيم الفنزويلي "هوغو تشافيز" التي عهد عندما ألم به المرض إلى "نيكولاس مادورو" بأمانة وراثة زعامته.

والحق يقال إن جزائر بوتفليقة ليست هي جزائر الستينات والسبعينات لناحية ثوريتها وانحيازها لقضايا التحرر في دول العالم الثالث، والتزامها بدعم دولة المواجهة المتبقية في وجه الكيان الصهيوني "سوريا"، فلا هي تقوم اليوم بتمويل صفقات السلاح لصالح من يقاوم إسرائيل كما فعل رئيسها الراحل بومدين قبل حرب 1973 عندما طار إلى موسكو ووضع شيكاً مفتوحاً أمام وزير الدفاع السوفيتي لتسليح سوريا ومصر، ولا هي حتى جزائر الثمانينات التي اشترت باخرة محملة بالقمح في البحر وأرسلتها إلى سوريا التي كانت تعاني من العقوبات والحصار الأمريكي الخانق، إثر دورها في دعم المقاومة اللبنانية التي طردت المارينز من بيروت عام 1983.

ولعل لهذا التراجع في الروح الثورية أسباباً عالمية لا تخص الجزائر وحدها، بل تتعلق بانحسار حركة التحرر العالم ثالثية، وبصعود الثورات المضادة المدعومة من الغرب في وجهها، كما رافق هذا النكوص في الالتزام بقضايا شعوب العالم الثالث، تراجعاً موازياً داخلياً على صعيد مشاريع النهوض الكبرى الصناعية والزراعية التي وضعت في الثلاجة، ونموٌ فطري لبيروقراطية حكومية، ولمستفيدين قريبين من السلطة، همهم الوحيد مراكمة الثروات الشخصية.

ما سبق يشكل كله نقاط ضعف في شرعية السلطة، سيستخدمها لا شك من يسعى لتطبيق مخطط إسقاط الدولة والبلد وليس السلطة فقط، وهذا بالضبط ما تم في ليبيا المجاورة، إذ لا يستلزم أن تكون تقدمياً أو ثورياً حتى يستهدفك النظام العالمي المهيمن عليه من قبل واشنطن، بالفوضى والدمار، بل يكفي فقط أن تكون خارج المظلة الأمنية الأمريكية، وثرواتك غير خاضعة مباشرة للسيطرة الغربية، حتى يتم استغلال أي أزمة داخلية لتفتيت بلادك وزرعها بالجماعات المسلحة المتقاتلة، فالقذافي ورغم ما قدمه في آخر سنوات حكمه من تنازلات للغرب، وتوظيفٍ للأموال الليبية في الصناديق الاستثمارية الغربية، لم يسلم من مخطط الفوضى «الخلاقة» ذاك.

لذلك نحن أمام أيام حاسمة فإما أن تجتاز الجزائر هذا الظرف العصيب كما اجتازت في التسعينات، أحداث العشرية الحمراء، وإما أننا سنكون على موعدٍ مع جزائر أخرى لا نعرفها، جزائر كغيرها من دول «النظام الرسمي العربي» ،لن نسمع عن تحفظها عن قرارٍ أمريكي-عربي هنا أو رفضها لتدخلٍ أجنبي هناك، بل سوف تعادي سوريا وايران والمقاومة كما يفعل الجميع، ولن تُمانع أبداً في بناء قاعدةٍ أمريكيةٍ في صحرائها، ولن ترفض تدخلاً أجنبياً في جوارها أو بعيداً عنها، وسوف تتجه لصندوق النقد الدولي بُعَيْد أول انخفاض لأسعار البترول، وسوف تُحوِّل ثرواتها إلى مشاريع استثمارية فرنسية أو أمريكية، ولن تتعامل يومها لا مع روسيا ولا الصين، سوف يصبح الحديث عن القطاع العام لغة خشبية بالنسبة لمسؤوليها، ولن يكون التطبيع مع إسرائيل مؤجلاً لما بعد حل قضايا القدس واللاجئين والجولان، وسيحترق تراث ثورتها التحرّرية، التي شكلت نموذجاً لقدرة الشعوب على كسر الإرادة الاستعمارية الغربية.

 

 

 

 

المصدر: خاص

شارك المقال: