مُوظف "مُسجل" ومعترف به قانونياً.. حق أم امتياز ؟
كريم مهند شمس
"مُسجل في التأمينات الاجتماعية" كان لتلك الجملة وقع غريب في ذهن "يارا"، وبقيت عيناها تحدقان بها طويلاً، تعيدان قراءتها مراراً، وكأنها تتعلم القراءة من جديد، تحاول تفكيك الكلمات إلى أحرف، علّها تفهم ما الغريب به، كانت تلك الجملة هي الأخيرة في نص إعلان وقع بين يديها، مفاده أن شركة ما ترغب برفد كوادرها بعدد من "الصبايا" على أن يكنّ؛ حسنات المظهر، عشرينيات، غير محجبات، عازبات، متفرغات للعمل بدوام كامل، مع الجاهزية التامة للسفر بين المحافظات، لا تهم الخبرة ولا التحصيل الأكاديمي.
امتياز وليس حقاً.. أم العكس؟
لم تعر "يارا" اهتمامها للمضمون الإعلاني الذي يشبه طلب عروس أكثر من كونه لشاغر عمل، لكن ما شغل بالها حقاً هو اختتامه للامتيازات التي ستحصلها المقبولات بالوظيفة ببند "مُسجل في التأمينات" وهو ما جعل الشابة التي تنطبق عليها كافة تلك الشروط مضافة لشهادة في الاقتصاد وخبرة ثلاث سنوات بسوق العمل، تحاول جاهدةً أن تستذكر إذا ما كان التسجيل في التأمينات الاجتماعية حقاً لها كمواطن أم مجرد امتياز وكرم أخلاق تمنحها إياه الشركات إن شاءت ولا يوجد ما يجبرها على ذلك إن لم تشأ.
قد يبدو للوهلة الأولى كطرح تهكمي مبالغ به، لكن "يارا" كالكثيرين غيرها من الشباب قضت سنواتها الأولى في سوق العمل غير معترف بها وغير مسجلة في التأمينات لتُحتسب من سنوات خدمتها لاحقاً والذي ستتقاضى على أساسه تقاعدية من التأمينات وتأميناً صحياً حينما ينال الشيب من رأسها، ففي بلاد تتهرب معظم شركات القطاع الخاص فيه من دفع ضرائبها السنوية وحتى فواتيرها، لن يُمانع أبداً أصحابها من تحاشي تسجيل موظفيها في التأمينات كي لا يدفعوا ما عليهم من رسوم سنوية مستحقة.
وهو ما سيقوض فرصة العامل بالقطاع الخاص للحصول على تأمين الوفاة والشيخوخة والعجز وإصابات العمل التي يستحقها بعد سنوات خدمته في سوق العمل كأيّ مواطن سوري بحسب قانون التأمينات الاجتماعية رقم 92 لعام 1959، والذي شهد عددا من التعديلات كان آخرها في العام 2014.
"شغل أجانب"
كادت ضحكة "ماريا" العالية والمطوّلة أن تجعل كاتب المادة يعيد التفكير بأهلية هذا الموضوع للتناول الصحفي، بل ويعيد التفكير بأهليته هو صحفياً لتناوله، وذلك بعد أن سألها إن كانت "مُسجلة في التأمينات"، حيث تخللت ضحكاتها المتتابعة بعض الجمل التي توضح له سبب استحالة هذا الأمر، ليتضح أن تلك الشابة تتشارك مكتبها مع 5 موظفين غيرها ومُشرف ومدير جميعهم من حملة الجنسيات الأجنبية، مشيرةً إلى أن الشيء السوري الوحيد تقريباً في هذه الشركة هو سجلها التجاري، وهو ما يجعلها منطقياً خارج نطاق وصاية وزارة العمل، فقانونياً توظيف الأجانب في الشركات المحلية هو أمر مُعقد يحتاج لإجراءات عدة بحال أراد ارتداء الوشاح القانوني.
وأخذت الشابة العشرينية تروي كيف اختفى المكتب بأسره حينما أتت لجنة الرقابة من الوزارة في زيارة مفاجئة لمقر العمل، مضيفةً: "في حين قرر الجميع المغادرة بسرعة ادعى زميلي طارق أنه زبون بعد التأكد من أن الاختباء تحت الطاولة لن تكون فكرة جيدة، قد لا نضطر لتكرار ذلك مجدداً، ولكنه حتماً يوم لا ينسى، ومساعدتنا لأصحاب الشركة على دفن هذا السر يصب بمصلحة الجميع، أي كتر خيرن يلي موظفينا".
"إجراء احترازي"
وعودة إلى التعديل الأخير على قانون التأمينات في عام 2014، فإن أحد بنوده تضمنت تخصيص بدل نهاية خدمة يُدفع لموظفي الشركات الخاصة حين استقالة أو فصل الشخص، وقُدرت حينها براتب شهرين لكل عام خدمة سعياً لمكافحة تهرب أصحاب الأعمال من تسجيل عمالهم، وهنا يجدر التساؤل حول مدى إمكانية أن يلتزم بذلك أشخاص لم يبرموا عقودا رسمية مع موظفيهم في البداية ولم يعترفوا بهم قانونياً لدى أية جهة، والأسوأ أن بعضهم قد جعلوا موظفهم الجديد يوقع على أوراق استقالته قبل توقيع عقده.
في ظل هكذا فساد في قطاع خاص يُفترض بخصوصيته أن يضم النخبة من اليد العاملة المحلية أو التي تسعى لأن تكون كذلك على الأقل، لا عتب على موظف حكومي يتقاضى رشوة 200 ليرة سورية لإنجاز توقيع أو جزء من معاملة، فالفساد الإداري الحقيقي يقبع في أرجاء القطاع الخاص قبل تواجده في نظيره العام، وإلا فبأي وجه وكلمات سيردع الضمير صاحبه عن الفساد، وهو غير مطمئن على مستقبله بحال أصيب أو هرم أو ببساطة طُرد لتخفيف النفقات.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: