تفجيرات الفجيرة: سليماني يرد على عرض ترامب
فارس الجيرودي
اللافت في حادثة التفجيرات التي استهدفت عدداً من ناقلات النفط في ميناء الفجيرة الإماراتي، ليس فقط المكان الذي اختير مسرحاً للعملية «أبعد ميناء خليجي جغرافياً عن إيران» ولا التوقيت «في ذروة التوتر والتحشيد العسكري والاستنفار الأمريكي في منطقة الخليج»، بل أكثر من كل ذلك يلفت الانتباه الارتباكُ والغموض الرسمي والإعلامي الإماراتي والسعودي في التعاطي مع الحادثة وهما الطرفان المعنيان بالهجوم«بعض السفن المستهدفة سعودية».
فمن مرحلة الصمت و التكتم وهي المرحلة التي استمرت لساعات طويلة من نهار ذلك الأحد، إذ تشير المعلومات إلى أن العملية حدثت في السادسة صباحاً، وصولاُ إلى نفي الخبر من قبل السلطات الإماراتية والسعودية إثر إذاعته من قبل قناة الميادين المقربة من إيران، ومن ثم الانتقال إلى مرحلة الاعتراف بعد أن نشرت الميادين أسماء وأرقام ناقلات النفط المستهدفة وهي ناقلات معروفة في سوق النفط العالمية، ويصعب التكتم على إصابتها.
بالإضافة لما سبق خلت ردود الفعل الرسمية الإماراتية من اتهامات لطهران بتنفيذ الهجوم كما هو مفترض وفقاً للسيناريو الذي يرجح وقوف طرف ثالث كـ«الموساد» وراء التفجيرات بهدف إعطاء الذريعة من أجل ضربة عسكرية أمريكية لإيران، بل بدلاً عن ذلك تعهدت السلطات الإماراتية بالتحقيق بالحادثة لاكتشاف الجناة، رغم أن الدولتين المعنيتين بالهجوم «الإمارات والسعودية» كانتا في مقدمة الدول المحرضة على إيران وعلى الاتفاق النووي الذي انسحب منه حليفهما الرئيس الأمريكي ترامب العام الماضي.
ويبدو أن علة الارتباك السعودي-الإماراتي تعود إلى البرودة في رد فعل الطرف الذي تعول عليها الدولتان لحمايتهما «الولايات المتحدة الأمريكية»، إذ لا تستطيع واشنطن أن تتهم طهران بالهجوم دون أن تكون مستعدة لرد عسكري قد يكون سبباً لانزلاقها إلى حرب شاملة، والأرجح أن هناك غرفة عمليات تضم أمريكا وحلفاءها تختص في التعاطي مع ملف المواجهة مع إيران وحلفائها في المنطقة على مختلف المستويات العسكرية والإعلامية، وهذا ما يفسر امتناع كبرى القنوات الغربية والعربية عن إذاعة أي شيء عن الحادثة لساعات طويلة، تواطؤاً منها مع الإنكار الإماراتي، رغم أن ميناء الفجيرة يعتبر ثاني أكبر محطة في العالم مختصة بتزويد السفن بالوقود، وهو يعج بالسفن الأجنبية من كل الجنسيات، ويستحيل عملياً أن يشهد عملية بهذه الضخامة دون أن يتوفر ولو مصدر إعلامي واحد يزود وسائل الإعلام العالمية بالخبر، حتى قناة الجزيرة القطرية التي يفترض أن تتصيد أي خبر عن أي طارئ يضرب أمن الخصم اللدود للدوحة "الإمارات"، امتثلت للتعميم ولم تنشر شيئاً عن الحادث قبل تأكيده من قبل وزارة الخارجية الإماراتية.
كما أن الدقة في تنفيذ العملية وتجنب إراقة قطرة دم واحدة فضلاً عن التسبب بكارثة إنسانية، وكذلك تجنب إسالة نقطة نفط واحدة في مياه الخليج فضلاً عن التسبب في كارثة بيئية، يجعل سيناريو تورط تنظيم إرهابي كداعش أو القاعدة في الهجوم مستبعداً، فهذه التنظيمات عودتنا على نمط العنف الدموي الأعمى، وسجلها يخلو من العمليات المدروسة بدقة بهدف تجنب إراقة الدماء.
بناء على ما سبق نستطيع ترجيح فرضية كون العملية رسالة إيرانية موجهة للدولتين اللتين قادتا عملية التحريض ضد طهران خلال الفترة الأخيرة، وتعهدتا تجنباً لارتفاع أسعار النفط، بزيادة انتاجهما لتعويض الحصة الإيرانية في سوق النفط العالمي، إثر تشديد العقوبات الأمريكية الذي تلا انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي من طرف واحد.
لقد اختير الفجيرة كصندوق البريد لإيصال الرسالة، وهو الميناء الذي يقع على بحر عمان، والمعول عليه ليكون بديلاً لتصدير النفط الخليجي في حال أقدمت إيران على إغلاق مضيق هرمز، والموقع يتمتع بحماية قاعدتين فرنسية وأمريكية، وبشبكة ردارات وحساسات تحت الماء فائقة التطور، والواضح أن المرسل أراد سكب ماء بارد على رأسي الشابين المتحكمين بسياسة بلديهما، ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" وولي عهد أبو ظبي "محمد بن زايد"، كما أن العملية رد واضح على دعوة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" الإيرانيين للاتصال بهاتفه للتفاوض، على وقع التهديد و التحشيد العسكري وتشديد الحصار والعقوبات، فبدلاً من الرئيس روحاني أو وزير الخارجية ظريف، يبدو أن الجنرال "قاسم سليماني" هو من كُلِف بالرد على العرض الأمريكي، وهو رد يمكن أن لا يكون الأخير.
المصدر: خاص
شارك المقال: