جيل بلا تعليم
حبيب أديب شحادة
تضعضع التعليم في سوريا نتيجة الأزمة وتداعياتها الكارثية، حيث وصلت نسبة الأطفال غير الملتحقين بالتعليم الأساسي إلى ما يفوق 51.8 % من إجمالي عدد الأطفال في هذه الفئة العمرية. (الإحصائية وفقاً لتقرير "هدر الإنسانية". 2014، المركز السوري لبحوث السياسات). ولم تقتصر تبعات خسارة فرص التعليم على النازحين فقط، وإنّما امتدت لتشمل اللاجئين في المخيمات المنتشرة في دول الجوار.
خولة ابنة الخمسة وأربعين عاماً كانت تعمل مُدرّسة بالقلمون. ولديها كل مقومات الحياة من منزل فخم بجميع متطلباته، خرجت خولة من سوريا في مطلع الـ 2014 باتجاه عرسال نتيجة المعارك الدائرة في مكان سكنها وعملها، حيث كانت المرة الأولى التي تغادر بها سوريا لمكان آخر تجهله. أودت بها الحرب السورية إلى مخيم الأبرار أحد مخيمات اللجوء في عرسال. في السنة الأولى للجوئها، عملت في التدريس مع اليونيسيف في مدارس عرسال، ضمن برامج اليونيسف لدعم اللاجئين، لكنه للأسف لم يستمر وقتاً طويلاً وفقاً لخولة فقد توقف بعد ستة أشهر.
وعلى الرغم من هذا البرنامج والمحاولات الفقيرة والقليلة لتعليم أطفال السوريين في مخيمات اللجوء إلا أنّ التعليم لأبناء اللاجئين معدوم في أغلب الحالات وفق ترتيبات الحكومة اللبنانية، فحسب ما صرحت خولة لجريدتنا يوجد مدارس خارج المخيم في عرسال لكن لا يسمح لكل السوريين بالدراسة فيها. وإنّما لعدد بسيط حسب القدرة الاستيعابية للمدارس، بشرط أن يداوم السوري بعد الظهر، ونفس الأساتذة تقوم بالتدريس صباحاً ومساءاً وفق دوام طويل مُمتد من الصباح حتى المساء، الأمر الذي ينعكس على قدرة الأستاذ على العطاء وفاعليته بعد ساعات دوام طويل، ومن لا يستطيع التسجيل يبقى خارج العملية التدريسية، ولذلك نلاحظ أعداداً كبيرة من الأطفال مُتسربة وخارج المدارس.
إلا أنّ السوريين وبحثاً عن أمل ومستقبل لهؤلاء الأطفال لم يستسلموا وإنما بحثوا عن طرق أخرى لتعليم الأطفال داخل المخيمات حيث قام السوريون بإنشاء مدارس تطوعية داخل المخيمات تقوم على عاتق المدرسيين السوريين لمساعدة باقي الأطفال الذين لم يتمكنوا من دخول المدارس، ولكن وللأسف لا أحد يعترف بها لا في لبنان ولا في سوريا ويبقى المجهود ضائعاً دون اعتراف وإنما يقتصر على محو أمية هؤلاء الأطفال ولكن دون شهادات معترف بها.
خولة ليست الوحيدة، بل حالة من حالات كثيرة تعرض أبناؤها لفقدان حقهم في الحصول على التعليم بسبب اللجوء وتداعياته المستمرة في دول الجوار، حيث كان التعليم ضحية لجوئهم القسري وخصوصاً للفتيات اللواتي اضطر أهلهن لإخراجهن من المدارس سعياً من ذويهنَ لتخفيف أعباء الحياة بالمخيمات فما كان منهم إلا اللجوء إلى تزويجهن وبالتالي خرجنا من نفق قلة التعليم وانعدامه حيناً وعدم فاعليته أحيانا أخرى لندخل في نفق تزويج القاصرات.
ولم يكن الوضع بأحسن أحواله لمن اضطر للنزوح بدل اللجوء، فنازحي الداخل السوري توجهوا نحو المناطق الآمنة، ما خلق أزمات مركبة ومعقدة كان أبرزها أزمة التعليم، ونقص المدارس نتيجة تحولها لمراكز إيواء للنازحين، ناهيك عن تضرر البنية التحتية التعلمية بفعل الحرب.
هدى نازحة من منطقة الغوطة الشرقية تقول لجريدتنا، أنها قصدت مدينة جرمانا القريبة لمكان سكنها بقصد العيش مع أولادها الست في مطلع العام 2014 أيضاً، لكنها لم تكن تعلم أنّ أولادها بعد تركهم مدرستهم بالغوطة نتيجة المعارك الدائرة هناك سيبقون دون تعليم، ليس السبب عدم توفر المدارس، وإنّما الأمر يتعلق بالقدرة الاستيعابية للمدارس من جهة وعدم امتلاكها للأوراق الرسمية الخاصة بأبنائها لجهة ثانية ولارتفاع تكلفة المعيشة الذي عجزت معه عن تأمين متطلبات حياتها وأبنائها. ما اضطرها إلى استخدام أولادها ليعينوها على مشقة الحياة.
وحيال حركة النزوح هذه وما نتج عنها من مشكلات، نشطت بعض الجمعيات على الساحة وكان التعليم جزء من نشاطاتها الرئيسية حيث قامت فدوى بالاشتراك مع فريق تطوعي تحفظت على ذكر اسمه بإنشاء مبادرة لتعليم الأطفال المتسربين من المدرسة لاسيما أبناء الحلقة الأولى، وبمواد ثلاث أساسية (رياضيات – عربي – إنكليزي).
تقول فدوى لجريدتنا، إنّ مبادرتها توسعت لتشمل فيما بعد طلاب التاسع والبكالوريا وفي بعض الأحيان يتم تدريس كل المواد، وكل ذلك بشكل مجاني بالكامل، مضيفةً أنّه نتيجة وجود بعض الشبان ذوي عمر السبعة عشر لا يرغبون بالتعلم، ويريدون دخول سوق العمل، تم افتتاح دورات مهنية لتساعد هؤلاء على الدخول بسوق العمل.
بالمقابل الحكومة السورية عبر وزارة التربية وبالتعاون مع اليونيسف كان لها تدخل بالغ الأهمية، حيث أطلقت عام 2015 برنامج التعليم الذاتي "فئة ب" ضمن حملة هدفها الأساسي إعادة الأطفال المتسربين والأميين إلى التعليم، لا سيما الأعمار ما بين (8- 15 سنة) ويعتمد المنهاج ب على اتباع أسلوب تكثيفي للمواد، ويقوم باختيار المعلومات الأساسية التي يجب على الطفل معرفتها خلال هذه المرحلة ليتمكن من متابعة دراسته. كما أنّ المنهاج ب يضم 28 كتاب ضمن أربع مستويات تعوض كل عامين تسرب بعام واحد.
مصدر رسمي في مديرية تربية ريف دمشق صرح لجريدتنا، أنّه "تم التعامل مع الأطفال المهجرين والمتسربين من المدرسة عبر المنهاج (ب) الذي يُدرس على فصلين، وكان هدفنا الأساسي مساعدة الأطفال للعودة للمدرسة، وتخفيض نسبة الأمية والتسرب قدر المستطاع، فجيل كامل تأثر بما جرى حيث كل فصل تم من خلاله تعويض سنة دراسية كاملة". كذلك قامت اليونيسف بالتعاون مع وزارة التربية بتدريس المنهاج (ب) بعد انتهاء الدوام الرسمي للمدارس، كما أننا تساهلنا في الأوراق الرسمية وكان يكفي أن يتوجه الأهل إلى المدارس ليتم تسجيل أبنائهم، كما أننا لم ندقق على اللباس الرسمي خوفاً من زيادة الأعباء على الاهل "
وتابع المصدر القول بأنّ المنهاج (ب) ما زال مُستمرا حتى الآن، وذلك حسب المناطق التي يتوافر فيها المهجرين، ولكن بشكل أقل مما كان سابقاً.
يضاف إلى ذلك تجمع طفولي سوري ما زال خارج العملية التعليمية، وهؤلاء هم أطفال الحدائق الذين ذهبوا باتجاه ممارسة مهنة التسول بدفع من أهاليهم بنسبة كبيرة، ناهيك عن اكتسابهم لعادات وممارسات أضحت تشكل خطورة مجتمعية تحتاج لحل من قبل المسؤولين عنها.
ولم يكن هؤلاء آخر ضحايا الأزمة/الحرب السورية، حيث أصبح التعليم أداة قهر عبر إدراجه ضمن سياسات معينة، فأصبح لدينا ثلاث مناهج للتدريس، منهاج يُدرس من قبل الحكومة السورية وهو المنهاج الرسمي، ومنهاج يُدرس من قبل الأكراد بقالب يغلب عليه الطابع الكردي، ومنهاج يُدرس من "داعش والنصرة" بقالب إسلامي تكفيري. وكل ذلك أدى ويؤدي إلى تعميق الاختلاف في القيم والمبادئ والانتماء والهوية.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: