!سوريا ..دوار دهليزي بسبب الأسعار
أهم إنجازات المحافظة أنها تغيّر ملامح شوارعها كلما همّت بمشروع جديد، فتُنشئ سوقاً وتلغي آخر حتى تفرّغ ذاكرتنا من كل ما كان حقيقياً وحميماً وقريباً. وكذلك هو الأمر بالنسبة لكل القطاعات الحكومية التي تغير ملامحنا كمواطنين وتفرغ جيوبنا يوم بعد آخر.
"أم محمد" بائعة الخضار التي خانتها ذاكرتها لم تعد تذكر مدة مكوثها في مكانها الجديد ولا تريد أن تعرف، فلا زبائن بعد غلاء الأسعار والصمت يخيم على الأرجاء.
حالها حال الزبون.. ثمانية عشر عاماً تسعى وراء لقمتها متنقلةً من رصيف لآخر منتهياً بها المطاف عند سوق للمحافظة بـ (المزة جبل) لتنهي يومها بمقولة: "مستورة والحمدالله".
أم السبعة أولاد تدفع 50 ألف ليرة للمحافظة إبان قراراتها المتطورة، وآلاف أخرى تذهب هباءً بعد رفع أسعار الخضراوات وعدم توازنها بين السعر الصافي للمبيع والشراء، فبالرغم من لطف أسعارها وجودة خضراواتها إلا أن تذمر الزبائن وغضبهم ينزل عليها كالسوط لأن سخط الشارع نتيجة الغلاء لا يطال المسؤول بل يطرق آذان الباعة البسطاء في الأسواق الشعبية.
الكل محتار من جنون الأسعار فلحمة الفقير (البطاطا) أصبح اقتنائها أمرٌ عسير لموظفةٍ براتب شهري لا يتجاوز الـ45 ألف ليرة ولديها من الأولاد خمسة، متسائلة: "لماذا الفواكة أرخص من الخضار رغم أهمية الأخيرة في الطبخة السورية؟".
طبختك اللذيذة يا سيدتي فقيرة منذ هجرة اللحم الأحمر لها وتأكدي أن كثيراً من مكوناتها سترحل يوماً بعد يوم، فكيلو البصل بسعر الموز والبندورة في تنافس مع البطاطا من أجل الوصول للـ500 ليرة! والكوسا تغرد خارج السرب، فلا تستبعدي يا أمي فكرة التقنين بالوجبات الغذائية فاليوم توجد وجبة غداء وغداً لا، فالشعب المعتاد على التقنين فقد حاسة التذوق منذ زمنٍ بعيد وعالبال ياوطنا ماشي الحال وتعودنا.
تفاوت الأسعار يدخل المواطنين في دوار دهليزي فمحلات الشارع العام تسعر البطاطا بـ( 400) ،(450) وربما (500) أما الأسواق المركزية اليوم تسعرها بـ(290) و (300) وحجة بائعي المحلات التجارية موحدة وهي "البطاطا أنواع ونحنا ما منجيب إلا كل غالي ومرتب.وبشكل عام كل شي غالي"، تاركين الرد على "وزارة التجارة وحماية المستهلك" المعلنة عن مناقصة داخلية بالظرف المختوم لاستيراد كمية (5000) طن من مادة البطاطا.
بتصريح خاص من داخل الوزارة حول الأسعار يقول: "إن سبب ارتفاع الأسعار كون الخضراوات بلاستيكية، ولا يوجد نية لاستيراد البطاطا والبندورة من الأردن"، لتعود حجة ارتفاع صرف الدولار على ألسن التجار من جديد ولكن "لا يوجد أي مبرر للارتفاع الفوري على المنتجات المحلية" بحسب وجهة نظر المحلل الاقتصادي الدكتور "عابد فضلية" المحاضر في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق والذي استنكر بدوره لعبة التجار برفع أسعار الخضروات المبالغ فيه مقابل الارتفاع البسيط لسعر صرف الدولار الأميركي دون مراعاة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلد في الآونة الأخيرة.
ليبقى المواطن في حيرةٍ محاصراً بحاجاته مقيداً بأوهامه يبحث عن ملجأ يخلصه من الأزمات المتلاحقة فوق رأسه راجياً الاستقرار المادي في زمن الحرب.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: