Saturday November 23, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

«ماكرون».. فارس الحرية الكذاب !

«ماكرون».. فارس الحرية الكذاب !

يصر الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، على اعتبار أن الرسوم المسيئة لـ "النبي محمد"، من ضمن حريات التعبير التي يكفلها الدستور في بلاده، وتأتي هذه التصريحات عقب قيام طالب من أصول شيشانية يبلغ من العمر ١٨ عاماً بالإقدام على قتل مدرس بطريقة بشعة إثر قيام المدرس الذي يدعى "صامويل باتي"، بعرض رسوم مسيئة للرسول العربي ضمن إطار حصة تتحدث عن "حرية الرأي والتعبير"، الأمر الذي تسبب بحدوث صدمة في الشارع الفرنسي ليخرج عدد ليس بالقليل منهم في مظاهرات رفعوا فيها رسوم مسيئة للدين الإسلامي ونبيه "محمد"، كانت الأسبوعية الساخرة في فرنسا "شارلي إيبدو"، قد أعادت نشرها قبل شهرين من الآن تقريباً، موجهة رسالة بعنوان "لن تخيفونا"، في محاولة منها للرد على مهاجمة مقرها في العام ٢٠١٥ للسبب نفسه، إلا أن الأمر في المرة الثانية أسفر عن قيام شاب من أصول باكستانية أيضاً بمهاجمة المقر القديم للمجلة الأسبوعية.

الرئاسة الفرنسية أعلنت عن حملة ضد التيارات الإسلامية المتطرفة بعد إعلان وزير الداخلية "جيرار درامنتان"، قبل أسبوعين عن اكتشاف وجود "فتوى"، صدرت بحق المدرس الضحية، والأمر قابله تأييد من الرئيس الفرنسي لموضوع نشر رسوم ساخرة من "محمد"، باعتبار الأمر من الحريات الشخصية على الرغم من رفض القضاء الفرنسي لاعتبارها كذلك، واعتبر عقب جريمة القتل بأن ما حدث هو "هجوما إسلامياً إرهابيا"، ليعود وزير داخليته للسخرية والتعبير عن غضبه من وجود أجنحة لـ "الأطعمة الحلال"، في المتاجر الفرنسية، موضحاً أنهم قاموا خلال السنوات الثلاث الأخيرة بإغلاق 358 مكانًا بينها مساجد، فضلاً عن ترحيل 428 أجنبياً، منها  73 مسجدًا ومدرسة خاصة ومحلاً تجارياً منذ مطلع العام الجاري، بذريعة "مكافحة الإسلام المتطرف، كما خلال الأيام الأخيرة زادت الضغوط والمداهمات التي تستهدف منظمات المجتمع المدني الإسلامية بفرنسا، على خلفية الحادث.

قد يبدو للوهلة الأولى أن رد فعل الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، وحكومته تجاه التطرف مسألة طبيعية، فالجريمة التي حدثت كان يمكن لفاعلها أن يحلها من خلال التوجه نحو القضاء والتقدم بشكوى ضد المدرس الذي أساء للدين الإسلامي، وكان يفترض من قبل الحكومة الفرنسية أن تضع حداً للرسوم الساخرة من أي رمز ديني تحت مسمى "حرية التعبير"، بما يمنع إثارة الجدل أو موجات الغضب بين التيارات المتدينة أياً كان توجهها، وعلى ما يبدو فإن "ماكرون"، يحاول أن يلعب بورقة محاربة التطرف الإسلامي في أي عملية انتخابية قادمة، ويحاول أن يعيد لنفسه ما فقده من شعبية نتيجة رد فعل حكومته تجاه مظاهرات "السترات الصفراء"، التي خرجت بشكل سلمي للتعبير عن رفضها للوضع الاقتصادي في فرنسا إلا أن الحكومة لم تقابلها إلا بالعنف على الرغم من إن الدستور الفرنسي يضمن حرية التظاهر ضد الحكومة في أي وقت من قبل أي تيار، ما أدى حينها لتحويل المدن الفرنسية إلى ساحة مواجهة مفتوحة بين المتظاهرين والشرطة الفرنسية، وهذه المقارنة ليست من باب الدفاع عن التيارات المتطرفة، وإنما من باب محاولة فهم طريقة "ماكرون"، في التعامل مع مفهوم حرية التعبير.

في شهر آب من العام ٢٠١٨، نشر الرئيس البرازيلي "جاير بولسونارو"، على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، تعليقاً ساخراً من زوجة الرئيس الفرنسي "بريجيت ماكرون"،  حينها وخلال سلسلة من التصريحات الهجومية المتبادلة بين الرئيسين الفرنسي والبرازيلي عقب الحرائق التي ضربت غابات الأمازون،  تفاعل "بولسونارو" عبر صفحته الرسمية على فيسبوك مع منشور يسخر من شكل "بريجيت"، التي تظهر في صورة تقارنها بالسيدة البرازيلية الاولى ميشيل بولسانورو البالغة من العمر 37 عاماً، مع تعليق يقول "الآن تفهمون لماذا يقوم ماكرون بملاحقة بولسونارو، إنها الغيرة"، وكان تعليق حساب بولسونارو "لا تُحرجوا الرجل" مع إشارة ترمز إلى ضحكات عالية، الأمر الذي اعتبره "ماكرون"، وقاحة، ليذهب الإعلام الفرنسي حينذاك لاتهام الرئيس البرازيلي بأنه معاد للمرأة وأصحاب البشرة السمراء، بل إن "ماكرون"، طالب دول العالم باتخاذ إجراءات ضد الحكومة البرازيلية بحجة "حرائق الأماوزن"، وتحدثت تقارير إعلامية عن تأييده للمعارضة البرازيلية ودعمهم في توجيه اتهامات لـ "بولسونارو"، بالإهمال تارة، والوقوف وراء الحرائق التي ضربت الغابات التي تعرف باسم "رئة العالم"، تارة أخرى، ولم يكن الرئيس الفرنسي ليقبل سخرية نظيره البرازيلي من "بريجيت"، فكيف يريد من العالم الذي فيه من ٥ ملايين مسلم يعيشون في بلاده أن يقبلوا باعتبار الرسوم المسيئة لرمزهم الديني الاعلى بأنها شكل من أشكال التعبير، وكيف يحاول أن يقنع ما يقارب ٢ مليار مسلم في العالم أن الإساءة لنبيهم تعد من أشكال الديمقراطية والتعبير الحر عن الرأي..؟.

كيف للرئيس الفرنسي أن يعادي التيارات الإسلامية المتطرفة، وبلاده تعد واحدة من أقوى الدول التي لعبت على تعذية الحرب الدائرة في سوريا منذ ما يزيد عن ١٠ سنوات بكل أنواع الأسلحة والمال، كما إنها قدمت دعماً لا محدوداً للتيارات السياسية التي تقطن عواصم العالم تحت مسمى "المعارضة السورية"، وللحكومات الفرنسية التي تعاقبت على باريس خلال السنوات العشر الماضية دور كبير في تسهيل مرور "الجهاديين"، من حملة الجنسية الفرنسية إلى تركيا ليعبروا منها إلى الأراضي السورية، كما إن للحكومة الفرنسية دور كبير فيما يحدث ضمن الأراضي الليبية التي تحولت إلى ساحة لوجود أخطر التنظيمات الإرهابية المتطرفة، فكيف يحاول "ماكرون"، أن يبني شعبيته من جديد على مهاجمة الدين الإسلامي تحت مسمى "حرية التعبير"، والحفاظ عليها، دون أن يمايز بين الإسلام والإرهاب، ثم إن كان الرئيس الفرنسي يصر على اعتبار أن الرسوم المسيئة لأي دين هي من باب حرية التعبير، فلماذا واجه من رفضوا سياساته الداخلية من أصحاب "السترات الصفراء"، بكل العنف الممكن، ولماذا شن حرباّ إعلامية واقتصادية ضد الحكومة البرازيلية على أثر سخرية رئيسها من "بريجيت"، أما للحرية معايير مطاطة في نظر "ماكرون"..؟

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: