Saturday November 23, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

تقشف في السعودية واستثمار في باكستان

تقشف في السعودية واستثمار في باكستان

فارس الجيرودي

تثبت إمارات ومشيخات الخليج مرة أخرى، أنها كيانات وظيفية، لا أجندة سياسية لها خارج نطاق خدمة الاستراتيجيات الأمريكية، فعلى التوازي مع إعادة فتح ملف جريمة «اغتيال خاشقجي» من قبل الكونغرس، وذلك بعد انتهاء المدة التي منحها المجلس للرئيس الأمريكي لتحديد ما إذا كان ولي العهد السعودي متورطاً في الجريمة، وفي خضم أزمته المتواصلة في اليمن، التي تستنزف اقتصاد مملكته، قام الحاكم غير المتوج للسعودية "محمد بن سلمان" بزيارة للعاصمة الباكستانية "كراتشي"، أُعلِن فيها عن استثمارات سعودية بقيمة 20 مليار دولار في بلاد السند، ليحار المحللون في تفسير الحركة السعودية، التي تأتي خارج السياق، لو نظر إليها من زاوية المصلحة السعودية البحتة.

لكننا سنحصل على تفسير منطقي لقرار الاستثمار السعودي الضخم في باكتسان اليوم، فقط لو نظرنا للأمر من زاوية التنافس الأمريكي-الصيني، على هذا البلد المهم استراتيجياً  في منطقة وسط آسيا، فباكستان التي مثلت ولفترة طويلة المتكأ الرئيسي للاستراتيجيات الأمريكية في البر الآسيوي، والقاعدة الخلفية التي قدمت الدعم الوجستي للميليشيات الجهادية التي قاتلت الجيش الأحمر السوفيتي في أفغانستان، حصلت خلال السنوات الماضية على برنامج استثمارات صيني بقيمة «54 مليار دولار»، يشمل ذلك تجديد بنيتها التحتية في مجالي الطاقة والنقل، وبناء طرق ضخمة لتكون جزءاً من طريق الحرير الجديد الذي أعلنت الصين أنها تخطط لإحيائه.

بل إن الاستثمارات الصنيية في هذا البلد شملت توسيع و تطوير ميناء غوادر، المتوقع بحسب محللين اقتصاديين أن يغير تطويره الخريطة الاقتصادية في المنطقة، كونه مرشحاً بسبب موقعه الجغرافي، لينافس ميناء دبي، الذي يتحكم حالياً بنصيب الأسد من التجارة بين الشرق والغرب.

ومثل العرض الاستثماري الصيني حبل نجاة بالنسبة لبلد كباكستان جرب لعقود طويلة تجارب التحالف المريرة مع الولايات المتحدة، التي لم يجن منها سوى علقم الفشل الاقتصادي، وتفشي التشدد والعنف المسلح الذي انفلت عقاله في البلاد، نتيجة دخول العقيدة الوهابية، إثر تجربة دعم الجماعات الجهادية متعدة الجنسيات، التي قاتلت الاحتلال السوفيتي لأفغانستان.

 بالمقابل تبدو واشنطن وفي ظل أزمتها الاقتصادية، وتضخم مديونيتها غير المسبوق «20 تريليون دولار»، عاجزةً عن مجاراة العروض الاستثمارية الصينية، التي تهدد النفوذ الأمريكي في أكثر من منطقة حول العالم، فبفضل احتياطات بلادهم  الضخمة من العملة الصعبة والبالغة حوالي «3 تريليون دولار»، تمكن الصينيون من اقتحام الحديقة الخلفية للولايات المتحدة «قارة أمريكا اللاتينية» باستثمارات بلغت «100 ملياردولار»، كما استثمروا «45 مليار دولار» أخرى في افريقيا، حيث تبدو واشنطن في كل تلك المواقع وقد فقدت قدرتها على ممارسة الإغواء الاقتصادي، بعد أن اعتادت ولعقود طويلة على مقايضة استثمارات البنك وصندوق النقد الدولي بالنفوذ السياسي في بلدان العالم الثالث.

لذلك كان طبيعياً أن تحدث الاستثمارات السياسية الصينية تغييرات استراتيجية في سياسات باكستان الخارجية، التي بدأت تنعتق شيئاً فشيئاً من الارتهان لرغبات واشنطن ووكلائها الخليجيين، فشرعت خلال العقد الأخير في بناء شراكة اقتصادية-سياسية مع إيران، وامتنعت عن قطع علاقتها الدبلوماسية مع دمشق والمشاركة في حملة التحريض عليها، ورفضت الانضمام للتحالف العسكري الذي أعلنته السعودية في حرب اليمن، وتم تتويج كل ذلك المسار بوصول رئيس الحكومة الباكستاني «عمران خان» لسدة الحكم في البلاد، وهو المعروف بمواقفه الرافضة للتبعية لواشنطن.

ومع حديث وسائل الإعلام عن مخطط لبناء قاعدة عسكرية صينية في باكستان، وفي محاولة لتجنب فقدان الولايات المتحدة لما تبقى من نفوذها في البر الآسيوي، خصوصاً بعد الانسحاب العسكري الأمريكي المتوقع من أفغانستان، يبدو أن هناك في واشنطن من وجد الحل أخيراً، فأومأ إلى ولي العهد السعودي ليثبت أهمية بلاده في خدمة الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك في مواجهة الأصوات المرتفعة في الكونغرس ومجلس النواب الأمريكيين، والداعية لمحاسبته على جريمة «الخاشقجي»، فتقدم بن سلمان مع حليفه حاكم الإمارات الفعلي "محمد بن زايد"، ببرنامجين استثمارين في باكتسان، يبلغ كل منهما قيمة «20 مليار دولار»، في محاولة لمعادلة الاستثمارات الصينية في البلاد.

 من جهته رئيس الوزراء الباكستاني "عمران خان" بدى مرحباً بالطبع بالاستثمارات السعودية-الإماراتية، لكنه لم يعط ولي العهد السعودي موقفاً سياسياً جديداً معتبراً، عدا المجاملات الشخصية الفارغة من أي معنى سياسي، «كالحديث عن شعبية بن سلمان في باكستان وأنه كان سيفوز بالانتخابات الأخيرة لو ترشح ضد عمران خان» هذا في وقت كان الشارع الباكستاني يشتعل فيه بالمظاهرات المحتجة على زيارة ولي العهد السعودي.

 كما كان لافتاً وصول وفد حكومي باكستاني رسمي إلى طهران، بالتزامن مع وجود بن سلمان في كراتشي، وذلك بهدف تطمين إيران إلى التزام الحكومة الباكستانية بعلاقات حسن الجوار، حيث يبدو الطرف الباكستاني أقرب إلى موقف استجرار العروض من جميع الأطراف للحصول على العرض الأفضل، بينما لا يتوقع أن تقدر دول الخليج على مجاراة العملاق الاقتصادي الصيني الذي يتمتع باحتياطات مالية ضخمة، لكنها قد تنجح في شراء بعض ضباط الأمن في باكستان التي ينخرها الفساد، وذلك بهدف تسهيل عمليات أمنية في الداخل الإيراني، وهذا ما يظهر أنه حدث فعلاً.

 

المصدر: خاص

شارك المقال: