Tuesday November 26, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

الشعب السوري «مالو حلّة»

الشعب السوري «مالو حلّة»

بديع صنيج

 

غريبٌ جداً أمر هذا الشعب، لدرجة أن المُتابع لتصرفاته سيتأكد مليون بالمئة أن جيناته فيها مكوِّنات غير طبيعية، ولا تمت للعادية بشيء، بل هو استثنائي بطريقة فريدة، وغير منطقية، وكأن جميع أفراده مهووسين بـ"فن الغروتيسك"، إذ يجتمع عندهم "الألم" مع "اللامعقولية" مع "الطرافة" في الوقت ذاته.

«شعب غروتيسكي» بامتياز، تقصفه "إسرائيل" فتبدأ عنده السهرة على الأسطح، المهم أن المتة والأركيلة وتشكيلة الموالح مُهيَّأة، وكاميرات الموبايلات جاهزة لالتقاط «سيلفي والصواريخ الإسرائيلية خلفي»، لذا لا أحد يستطيع الوقوف في وجه عِناد هذا الشعب وإصراره على الحياة مهما كلَّف الثمن، إذ تراه محشوراً في باصات النقل الداخلي مثل "المخلل" لكنه لا ينقهر ولا يشعر بالضيق، على العكس تصبح هذه "الحشرة" مناسبة للتعارف والغزل الشفيف وغير الشفيف، فهذا الشعب اجتماعي بطبعه، ويعرف في إدارة الوقت أكثر من "إبراهيم الفقي"، لدرجة لا يترك فرصة إلا ويستغلها في التَّقارُب والإنتاج المعرفي الواقعي، ليصبح الضيق عنده فَرَجاً من نوع خاص.

ولأنه شعب مُنتسِب بكل جوارحه إلى العبثية بكامل ضياعها، تراه ما عاد يرتاح للحداثة، ولا ما بعدها، وأصبحت حياته كلها متمركزة في "ما بعد بعد الحداثة"، كوصفة لمداورة الواقع والتَّهكُّم عليه، حتى لو كانت اللوجيستيات لذلك من العصر الحجري، إذ لا تكفيه طوابير الخبز والغاز والوقوف لساعات أمام مراكز المعونات، فإنه أصرَّ –بسعيٍ حكوميٍّ حثيث طبعاً- على أن تتكامل لوحة معاناته الخدمية عبر بطاقات "تكامل" الذكية جداً، لتوزيع المازوت والبنزين، فهو لا يعرف أن يعيش إلا بطريقة ذكية، ووفق الأصول العبثية للانتظار، رغم يقينه الراسخ بأن "جودو" السوري لن يأتي في القريب العاجل، مثله مثل "الفرج" الذي سيتأخَّر كثيراً طالما أن مجلس الوزراء منح البارحة وزير النفط كل الصلاحيات اللازمة لمتابعة عمله، تخيلوا هذه الفكرة التي "تجلط" أكبر فيل، إلا أنها لم تؤثِّر في عزيمة سوري واحد، لا لشيء إلا لأنه قطع حبل الود من زمان مع حكومته وحكمتها المتأخرة دائماً، ولأنه بات بعد الكم الكبير من التصريحات "الفالجة" غير قابل للعلاج، إلا عبر النكتة والتُّهكُّم على حاله وحالها، أولم تسمعوا بذاك الدِّيك الذي غازل دجاجة الجيران بعدما لم يعد خائفاً من ذابحيه، وعندما سألته عن السبب، أجابها: «لأنهم إن ذبحوني لن يجدوا ماءً ليغسلوني، ولا غازاً ليطبخوني، ولا كهرباء ليضعوني مع البطاطا في الفرن، ولا مازوتاً ليسلقوني على الصوبيا». هنا قفزت الدجاجة فرحاً وقالت: «الله يطولنا بعمر ها الحكومة، بسببها كسبتك.. يخليلي ها الريشات اللي نافشهون»، واقترب هذان الزوجان من أن يُرزقوا بصيصان، ومن حينها كلما سمعت صياح الديك أعرف أن هناك نكتة جديدة ولدت في قلب سوري أنهكه كل شيء.  

 

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: