مادة سحرية لحياة أفضل!

كريم مهند شمس
لكل باب مفتاحه، إلا أبواب الشركات وفرص العمل فيها، تُفتح بمكالمة هاتفية ناعمة تُزكي أحدهم على حساب غيره حتى ولو كانت علاقة ذلك "الموصى به" بالمنصب الشاغر كعلاقة الدولار بالليرة اللبنانية. وذلك ما يسمى بـ "فيتامين واو"، وهو مادة سحرية من نوع خاص جاء فيها حرف الواو كترميز لكلمة "واسطة" الغنية تماماً عن التعريف.
وبالطبع فإن موضوع الوساطة يتعدى بانتشاره مساحة بلدنا الحبيب ليشمل الوطن العربي بأسره وحتى أبعد من ذلك، كما يتسع بآثاره ليتفشى بأدق تفاصيل الحياة اليومية وليس فقط فرص العمل، فاليوم أنت تحتاج لأن تكون طرفاً متنفذاً أو تعرف شخصاً متنفذاً أو تعرف شخصاً يعرف آخراً متنفذاً، وذلك لتأمين جرة غاز مثلاً.
وبما أن الواسطة ليست حكراً على شيء أو أحد، حيث من الممكن أن يستخدمها أي شخص ولأي سبب مهما كان، وذلك يعود بأسبابه إلى أن الإنسان يحب بطبعه أن يحقق منفعة ما من أي فعل يقدم عليه، لا لشيء وإنما ليرضى غريزة الانتفاع المدفونة في نفسه. حيث توزع جهة ما مناصبها المهمة على الحمقى لتنتفع من أقربائهم، تاركةً الأكفاء والنخبويين عاطلين عن العمل وتضع مكانهم هؤلاء المدللين ليخرّبوا الدنيا.
لكنها وعلى الضفة الأخرى، تحمل تأثيرها الأكبر على فرص العمل وفي القطاع الخاص تحديداً، حيث ما يلبث أن يستلم شخصٌ ما منصبا حساساً في إحدى الشركات حتى يبدأ بتوظيف حاشيته هنا وهناك من أقارب وأصحاب وأبناء عمة وخالة وخال وجيران وجارات، دون أن ينسى تعيين أبنائه كمدراء تنفيذيين ومشرفي أعمال، وذلك أيضاً إرضاءً لحاجة الإنسان النفسية للشعور بالأمان في البيئة المحيطة به، باعتبار أن الأمان يحتل المرتبة الثانية في الحاجات الرئيسية للإنسان بعد الغذاء والنوم، وذلك وفقاً لهرم ماسلو للحاجات الإنسانية.
وإلى هنا ما تزال "الوسايط" مبررة منطقياً إلى حد ما، أما حينما يتعدى أحد الأشخاص حدود دائرته الاجتماعية بتوسطه للحمقى لينشروا أرجاء الكوكب هنا وهناك ويدمروا المجرة ويُسرّعون من انقراض البشرية، ويضع الشخص غير المناسب في جميع الأماكن المناسبة وغير المناسبة وفي أنوفنا حتى. ويتعين عليك كشخص عادي لا واسطة لك أن تحتمل بلاهة ذوي الخاصية السحرية طيلة حياتك بسبب تمتعهم بذلك الفيتامين الجميل.
ليبقى بعد ذلك، الشباب وطاقاتهم وإبداعهم وفكرهم على هامش سوق العمل مُبعَدين عن الإنتاج، ويبقى معهم أصحاب الشركات يندبون حظهم من تدني الإنتاجية وهجرة الأدمغة وضعف جودة العمل وغيرها من الآثار التي تسببها الوسايط، متعجبين كيف لم يفلح ابن الفلان وأخو الفلانة بالنهوض بأعمال الشركة ونشاطاتها بالرغم من كون والده ناجحاً ومتنفذاً، وكأن النجاح والإبداع ينتقل بالجينات مع لون الشعر والعيون.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: