لماذا لم يتم الإعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية.. ؟!
محمد نادر العمري
من الواضح أن التصريحات التي خرجت عقب زيارة المبعوث الأممي "غير بيدرسن" الأخيرة لدمشق بعد لقائه وزير الخارجية السورية "وليد المعلم" لمرتين متتاليتين، عكست أجواء (توافق) إيجابية حول ملف (اللجنة الدستورية)، ولكن في الوقت ذاته مثل هذه التصريحات ليست الأولى من نوعها في هذا الشأن، ولكنها تأتي مدعومة بظروف ومناخات سياسية مختلفة عما سبق.
بيان وزارة الخارجية قال إن "المباحثات مع بيدرسن جرت في أجواء إيجابية وبناءة، حيث تحقق تقدم كبير، واقترب من إنجاز اتفاق لجنة مناقشة الدستور، ومن المعروف أن الدبلوماسية السورية حريصة جداً تصريحاتها التي لها مداليل واضحة، ولكن البيان كان حريص بعدم الجزم في نجاح هذا المسار او استكماله.
فعلى الرغم من جرعة التفاؤل المحملة في البيان، والحديث ضمنه عن تقدم كبير، فإنه يعطي انطباعاً أيضاً بأن لا «اتفاق كاملاً» ـــ إلى الآن .
وبخاصة في ظل تناقض واختلاف واضح في الأهداف والرؤى:
1. يجب عدم إغفال اختلاف المصطلحات بين «اللجنة الدستورية» و«لجنة مناقشة الدستور»، وهو اختلاف قد يكون عنوان عقدة جديدة مستقبلاً.
2.بينما أشار بيان وزارة الخارجية إلى أن الجانبين شددا على «أهمية التنسيق المستمر لضمان نجاح مهمة المبعوث الخاص... بما يساعد على عودة الأمن والاستقرار إلى كل الأراضي السورية والحفاظ على سيادة سوريا ووحدتها وسلامتها الإقليمية»، أبدى بيدرسن تفاؤلاً حذراً، بالقول من دمشق إن الأمم المتحدة «بصدد التوصل إلى اتفاق» مع الحكومة السورية حول «اللجنة»، من دون الدخول في تفاصيل ما نوقش وهذا يشير لوجود تفاصيل تقنية وفنية لم يتم التوصل لاتفاق حولها.
بعض التسريبات التي رشحت عن الزيارة أن ماطرح لا يخرج عن المقترح الروسي الذي حمله مبعوث «الكرملين» "ألكسندر لافرينتيف"، إلى الرئيس السوري "بشار الأسد"، بتقسيم المقاعد الستة المختلف على تسميتها في الثلث الثالث من «اللجنة»، بين دمشق والأمم المتحدة، بنسبة 4 للأولى إلى 2 للثانية، وفي المقابل، أبدت دمشق حزماً كبيراً في نقاش آلية اتخاذ القرار في «اللجنة»، مصرى على ضرورة تأمين موافقة ما لا يقل عن 75% من أعضائها.
ولكن هناك تطورات خطيرة على مستوى الظروف الإقليمية تشير نحو إقدام هذه الدول بالضغط على دمشق أو لمنع تحقيق تقدم على اللجنة الدستورية ويتمثل ذلك في:
أولاً: التوجه نحو خطوات عملية في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، والمصحوبة بتوافقات مستجدة ومشاريع جديدة، تصب في خانة تعظيم الضغط على دمشق، من شرق الفرات إلى إدلب، إلى غيرهما. عبر إنشاء «قوة متعددة الجنسيات» في مناطق سيطرة «قوات سوريا الديموقراطية»، ويلاحظ هنا أن الجانب التركي يلتزم الصمت حول نقاشات «المنطقة الآمنة» مع واشنطن، من دون أن يتضح مبرر هذا الصمت.
ثانياً :تجهد فرنسا، بتوجيه أميركي، في توحيد الصف السياسي الكردي في شمال شرقي سوريا من جهة، وتوسيع تحالفات «مجلس سوريا الديموقراطية» من جهة أخرى، ربطاً بتغييرات هيكلية في بنية المجالس المحلية والعسكرية التابعة لـ«مسد»، تشرك العشائر العربية أيضاً، بما يضمن حاملاً شعبياً لأي إطار جديد قد يولد لاحقاً على يد الفرنسية.
ثالثاً: تحشد واشنطن وفريقها إمكانات واسعة لتضييق الخناق على دمشق، وحليفتها طهران، عبر زيادة الحصار الاقتصادي.
رابعاً: التلويح بورقة الأسلحة الكيميائية، التي أطلت برأسها سابقاً في غير مناسبة. فقد نقلت وكالة «رويترز» منذ يومين، عن مصادر مطلعة قولها إن فريقاً جديداً شكلته منظمة حظر الأسلحة الكيميائية سيفتح تحقيقاً في «أنباء عن وقوع تسع هجمات» خلال سنوات الحرب الماضية في سوريا. وأشارت المنظمة إلى أن الفريق الجديد ستكون لديه «سلطات تتيح له توجيه اتهامات لمنفذي الهجمات»، وليس فقط تسمية الجهة التي نفذتها، الأمر الذي قد يفتح الطريق لإجراءات «عقابية» ستجيد واشنطن استغلالها على طاولة التفاوض السورية.
خامساً: تزامن هذا التطورات وسط استمرار المعارك في محيط «جيب إدلب»، ولا سيما في أقصى شمال محافظة اللاذقية، وهو تصعيد قد يكون بدوره فرصة لسوق اتهامات جديدة باستخدام «أسلحة كيميائية» على غرار ما جرى قبل نحو شهرين في محيط جسر الشغور، وكان بداية لنشاط داعش تحت مسمى "أنصار التوحيد".
الواضح أن الحذر كان سيد الموقف في الاجتماعات والتصريحات والآمال وبخاصة في ظل عدم وجود إرادة دولية لحل الأزمة السورية، وربما هذا الحذر دفع الأطراف وبخاصة المبعوث الدولي إلى البحث عن مرحلة مابعد تشكيل اللجنة دون إعلان تشكيلها لأنه يريد ضمان نجاح مهمته وضمان تأمين ظروفها.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: