يوميات "عبدو".. أحلام ضائعة على طابور "الكازية"

"عبدو" شاب نشيط، مغامر، يهوى خوض التجارب المميزة، ولذلك قرر أن يبدأ مغامرة جديدة فريدة من نوعها، وهي الوقوف على دور "الكازية" في عطلة نهاية الأسبوع، ولكونه "معتر" لا يملك سيارة استأجر واحدة، ثم شحن جيوبه بمخزون فائض من علب السجائر وانطلق لأقرب محطة وقود في العاصمة واصطف بمنتهى البراءة مع عشرات المواطنين غيره، أملاً بأن يعود بقصة مميزة يرويها لجمهوره العريض المؤلف من، أمه وأخته وجارتهن وابنتها الجميلة "محاسن".
لم يحدث ما هو غريب في الثلاث ساعات الأولى من الانتظار، ولكن بعد ذلك بقليل تفشت حالة من "الخيار والفقوس" في أرجاء المحطة، وخُلق من العدم طابور جديد مُخصص للمدعومين وأصحاب الأموال، ولكل من هم أكبر وأهم من أن يقفوا مع عامة الناس على الدور، وبعدها دفع أحد الأكابر ببقشيش صغير لعامل "الكازية"، ليصبح فجأة "تفليل" السيارة أمراً ممكناً وسهلاً جداً، وحتى الانتظار لم يعد شرطاً ليحصل صاحب "الرانج روفر" على حصته من مادة "البنزين" مضافة لحصة عشرة آخرين من الشعب.
بالرغم من أن الدراسة الوزارية لرفع الدعم عن مادة "البنزين" بعد تخطي مخصصات المواطن الحد المعقول (سبب الأزمة كُلها من الأساس)، هي بالدرجة الأولى دراسة تستهدف جعل الأغنياء وأصحاب السيارات الفارهة يدفعون ثمن بذخهم وترفهم، إلا أن "الدراويش" هم المتضرر الفعلي والوحيد حتى اللحظة، ففي وقت دخلت الأزمة فيه يومها الثامن، لم يضطر "ابن مرتاحة" واحد للوقوف بدور الانتظار مع عامة الناس، ولم يضطر حتى لركن سيارته بجانب المنزل والتنقل في أرجاء المدينة بسيارات الأجرة لا سمح الله.
ولأن شعبنا "نهيف" بطبعه، تمكن "عبدو" من الحصول على مادة دسمة يرويها لابنة جارتهن التي تروقه نظراتها وهي تصطنع الإنصات له، حيث رصد العشرات من حالات التعارف على دور المحطة، فهنا نسوة وجدن بطابور "الكازية" معقلاً جديداً لـ "صبحية" فريدة من نوعهاً، وهناك رجال حولوا ساعات انتظارهم المملة إلى فرصة لتنفس الصعداء بعيداً عن ضغوط العمل، وتجاذبوا أطراف الحديث مع أترابهم عن منزل الجمعية الذي لم ولن ينتهي قبل بلوغ أحفادهم سن الرشد، حتى أنه رأى عدد من الشبان يلعبون الورق على "طبون" السيارة، دون ذكر بائع علب السجائر والبسكويت الذي حصّل من "تبسيطه" أمام "الكازية" على رزق وفير.
ولكون حياتنا ليست عادلة بما فيه الكفاية، اختتم "عبدو" سهرته المؤنسة على "الكازية" بركلة عاطفية مؤلمة، حيث صُدم برؤية محاسن ابنة جارتهن التي حضّر لها كل تلك القصص، وهي جالسة بالمقعد الأمامي لإحدى السيارات الفارهة التي يقودها شاب قبيح يبدو ثرائه واضحاً من لمعان حذائه وقدرته الخارقة على اجتياز الطابور بدقائق وملئ السيارة بنزيناً بثواني، لينطلق بعدها مسرعاً وأصوات تفحيط دواليب السيارة تدوس على قلب "عبدو" وأحلامه وعلى مشاعر مئة شخص وشخص غيره قضوا يومهم على دورٍ استطاع أحدهم تجاوزه بسرعة الضوء ليتمكن من اللحاق بحفلة الليلة بأرقى بارات العاصمة ويراقص فيها فتاة أحلام "عبدو"، ويضطجع بعدها على سريره مع أحلام "عبدو" بذاتها.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: