"الأب باولو" ورفاقه.. أحياء في نشرات الأخبار!
محمود عبد اللطيف
مع تحول قرية "باغوز فوقاني" إلى مثار اهتمام من قبل الرأي العام العالمي، بوصفها آخر معاقل تنظيم "داعش" في مناطق شرق الفرات بريف دير الزور، أظهرت تقارير إعلامية معلومات عن وجود مفاوضات تخوضها "قوات سوريا الديمقراطية"، مع التنظيم حول مصير الأب الإيطالي "باولو دالوليو"، والصحفي البريطاني "جون كانتلي"، وممرضة من الجنسية النيوزلندية كانت عمل لصالح الصليب الأحمر الدولي في سوريا قبل اختطافها في العام 2013، وخلال اليومين الماضيين عملت المواقع التابعة لـ "المعارضة السورية"، و"قسد" على الترويج لوجود المطران "يوحنا إبراهيم" ضمن الجيب الذي يسيطر عليه "داعش" في الجزء الجنوبي الشرقي من "باغوز فوقاني"، وكل هذه المعلومات دون تأكيد رسمي من قبل التنظيم الذي أعلن من تبقى من مقاتليه في القرية نقضهم لـ"بيعة أبو بكر البغدادي"، بعد فراره مع قيادات الصف الأول للتنظيم إلى خارج الأراضي السورية، إضافة لإعلانهم "بيعة موت"، من خلال خطب سمعت من قبل المتواجدين في محيط الجيب الذي حوصروا فيه.
منهجية عمل التنظيم إعلامياً، تنفي وجود أي شخصية ذات قيمة اعتبارية على المستوى الدولي فيما يسمى بـ"مخيم باغوز فوقاني"، الذي يعتمد التنظيم على مجموعة كبيرة من الأنفاق والمقرات تحت أرضية لتجنب الغارات العنيفة التي تنفذها مقاتلات التحالف الأمريكي، إذ يبلغ المعدل الوسطي للغارات المنفذة يوميا على هذا المخيم 15 غارة باستخدام قذائف وذخائر متعددة، من بينها "الفوسفور الأبيض" المحرم دوليا، فالتنظيم الذي كان قد نشر مجموعة من تسجيلات الفيديو التي أظهر فيها "رهائن أجانب" بالزي البرتقالي ليطلبوا من حكومات بلادهم وقف عمليات القصف على المناطق التي كان ينتشر فيها "داعش" إبان بدء العمليات الجوية للتحالف الأمريكي في سوريا والعراق، تؤكد أن التنظيم كان سيتجه إلى ذات الفعل في حال كان بحوزته أي معتقل بالغ الأهمية كـ"الأب باولو"، وذلك بهدف الضغط على الحكومات الغربية من خلال المؤسسات الدينية والكنسية في الفاتيكان، ومن المهم التذكير بما روته وكالة "آكي" الإيطالية للأنباء حول نبأ المفاوضات المزعومة بأنها "مجرد محاولة من قوات سوريا الديمقراطية لكسب تأييد الدول الأوروبية"، ويؤكد كلام الوكالة الإيطالية ما كتبته الرئيسة المشتركة للمكتب التنفيذي لمجلس سوريا الديمقراطية "إلهام أحمد" في مقال نشرته بصحيفة "تليغراف" البريطانية خلال زيارتها إلى لندن، حيث قالت إن ما أسمته بانتصار قسد على داعش لا يحظى بالتقدير المتوقع من قبل الدول الأوروبية الغربية.
وكالة "آكي" اعتبرت أن التقارير الإعلامية المتعددة التي أكدت مقتله منذ دخوله لمدينة الرقة في العام 2013 كافية كدليل على عدم وجوده، ناهيك عن عدم ذكره طيلة سنوات خلت من قبل أي طرف، وفي حال وجود أي شخصية دينية أو سياسية بحوزة تنظيم "داعش" حتى الوقت الحالي، فإن ذلك يعني فضيحة كبرى للإدارة الأمريكية وحلفائها، من خلال سماحهم للتنظيم بنقل الأسرى والمختطفين من السجون التي كان قد أنشأها في مدينة الرقة قبل أن يسلمها في أيلول من العام 2019 ضمن اتفاق أطلقت عليه قناة BBC البريطانية تسمية "سر الرقة القذر"، إذ خرج عناصر التنظيم حينها بكامل عتادهم القتالي وعدتهم من عاصمة خلافتهم المزعومة باتفاق مع "قسد" ومن خلفها واشنطن، بعد خمسة أشهر من القصف الأمريكي المتواصل الذي خلف وراءه أكثر من 8 آلاف ضحية دفنوا في مقابر أنشأها السكان في الحدائق والمسطحات المفتوحة، مع تدمير ما يقارب 85% من حجم الكتلة العمرانية للمدينة.
التسجيل المصور الأخير الذي أنتجه "داعش" من داخل "مخيم باغوز فوقاني" بعنوان "معاني الثبات"، يؤكد أن التنظيم مازال قادرا على تشغيل ماكينته الإعلامية التي عمل "جون كانتلي"، نفسه فيها من خلال ظهوره في تسجيلات فيديو متعددة لم يكن فيها بالزي البرتقالي، ما يشير إلى أن الصحفي البريطاني كان جزءاً من الدعاية الجهادية لداعش أياً كانت أسباب ظهوره، وقوة إعلام التنظيم تتناسب وقدرته على خوض معارك تتسم بـ"الكر والفر"، يعتمد فيها على عناصره الانغماسيين والانتحاريين الذين تشكل النساء نسبة منهم، ولا يمكن لأي جهة تأكيد وجود الأب الإيطالي الجنسية أو غيره ضمن المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، ولا يمكن الاعتماد على الخارجين من هذا المخيم كمصدر للمعلومات الموثوقة، ذلك أن مثل هذه المسائل مناطة بقيادات التنظيم التي ما تزال مجهول الهوية في "باغوز فوقاني" بعد نقض البيعة للبغدادي.
إن وجود أي شخصية بالغة الحساسية بحوزة داعش، سيكون ورقة ضمانة لخروج قياداته من "باغوز فوقاني"، بشكل سري إلى خارج الحدود السورية، ما قد يسهل حصولهم على حياة جديدة بعيداً عن المحاسبة بالاستفادة من الكميات الضخمة من الأموال التي يمتلكها التنظيم، وهي أموال تشمل كميات من الذهب المسروق من البنوك العراقية كانت الولايات المتحدة الأمريكية نقلت جزءاً منه إلى إقليم شمال العراق "كردستان"، إلا أن هذا الذهب اختفى ذكره سريعا من قبل وسائل الإعلام الدولية، ولم تعلق الحكومة العراقية على ملفه بشكل رسمي، لكن من يمتلك تأكيد مثل هذه المعلومات سوى الإدارة الأمريكية التي لو كانت تمتلكها بشكل جدي لقدمتها عبر متحدثيها الرسميين كواحدة من الأهداف "السامية" للنصر الأمريكي المزعوم في مناطق شرق الفرات على داعش.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: