هكذا ستنعكس خسارة أردوغان على الملف السوري؟!
محمود عبد اللطيف
«إذا خسرنا بلدية أسنيورت سنخسر القدس، سنخسر الإسلام، سنخسر مكة»، بهذه الجملة بدأ أحد قيادات حزب العدالة والتنمية حملته الدعائية في انتخابات البلديات التركية، وإن كان الحزب الذي يقوده الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، قد خسر في أسنيورت، فإن خسارته للعواصم التركية الأربعة هي الضربة التي يمكن أن تدفع "أردوغان" إلى الجنون السياسي.
حزب الشعوب الديمقراطي وهو أكبر الأحزاب الكردية المنافسة لحزب العدالة والتنمية، كان مؤثرا في الانتخابات، وتمكنت أصوات الأكراد من تحويل مسار الانتخابات ليخسر حزب العدالة بلديات "إسطنبول" التي تعد عاصمة الإرث العثماني والاقتصاد التركي، وأزمير عاصمة العلمانية التركية، إضافة لخسارته بلديات أنقرة العاصمة السياسية للجمهورية التركية بشكلها الحالي، كما خسر بلدية "ديار بكر"، التي تعرف لدى أكراد تركيا بـ "عاصمة كردستان الكبرى"، وبذلك يكون الحزب المرتبط بالإخوان المسلمين من حيث الفكر والتصرفات السياسية قد حقق فوزاً انتخابيا بطعم الخسارة على منافسيه من المعارضة كـ "الشعوب الديمقراطي – الشعب الجمهوري – الحزب القومي التركي"، ومن اللافت في انتخابات إسطنبول تحديداً، أن حزب السعادة، الممثل لتيار أربكان في جماعة الإخوان المسلمين بتركيا، قد أظهر مرشحاً بمواجهة السلطة والمعارضة معا، على رغم أنه قدم نفسه كشريك في تحالف المعارضة، وقد حصل هذا المرشح على ١.٢٪ من الأصوات، لو أنه جيرها لحلفائه، ولم يمارس الألاعيب الصبيانية، لكان مرشح المعارضة متقدماً بفارق مريح.
للانتخابات التركية انعكاس مباشر على الملف السوري، إذ يبدو أن ما سرب عبر وسائل الإعلام قبل شهرين عن وجود مساع أمريكية لعقد صفقة "تركية – كردية"، كبرى تشمل سوريا وتركيا في آن معا لم تنجح، فمع بداية التهديدات التركية بشن عملية عدوانية جديدة في الداخل السوري بحجة محاربة الإرهاب الذي تحصره أنقرة بـ "الوحدات الكردية" نتيجة لارتباطها بـ "حزب العمال الكردستاني" الموضوع على لائحة الإرهاب، كان من بين الشروط التركية أن يكون حزب الشعوب الديمقراطية خارج الانتخابات البلدية، وأن تتم المصالحة "الكردية – الكردية"، ما بين القوى المشكلة لـ "قوات سوريا الديمقراطية"، و "المجلس الوطني الكردي" المدعوم من أنقرة ليتسلم الأخير المهام الأمنية في المنطقة الآمنة التي تريد "واشنطن" و "أنقرة"، إنشاءها في الشمال السوري بعمق قد يصل إلى 50 كم إلى الجنوب من الحدود المشتركة، وقياسا على نتائج الانتخابات وقدرة أنصار حزب الشعوب الديمقراطية على التأثير في مسارها وحرمان "رجب طيب أردوغان" من التحكم بالبلديات الكبرى وغيرها، فإن رد فعل زعيم حزب العدالة والتنمية ستكون متوافقة مع تصريحاته التي أطلقها قبيل الانتخابات، وسيذهب نحو مغامرة عسكرية جديدة في الداخل السوري بهدف تصدير الهزيمة السياسية، ومحاولة خلق انتصار على الفصائل الكردية المسلحة ما قد ينسي المواطن التركي التخبط الاقتصادي الذي تعيشه بلاده، وهذا يرجح أن تشتعل المنطقة الشرقية من سوريا بمعركة جديدة تخوضها قوات الاحتلال التركي بالتعاون مع ميليشياتها.
الحديث عن منطقة آمنة على مقاسات أنقرة قد يكون أكثر قرباً للتطبيق، فإن قبلت "الوحدات الكردية"، بما روج لها المبعوث الأمريكي الخاص إلى سورية والتحالف الأمريكي "جيمس جيفري"، عن وجود توافق ما بين بلاده والحكومة التركية حول إنشاء منطقة آمنة بدون وجود الوحدات الكردية فيها، فهذا يعني أن الفصائل الكردية المسلحة أمام ضرورة البحث عما يقنع جمهورها بضرورة مثل هذه الخطوة، فليس من المعقول أن تكشف "قوات سورية الديمقراطية" عن خسارتها لـ 11 ألف مقاتل خلال معارك خاضتها طوال خمس سنوات لتسيطر على المنطقة، ومن ثم تقوم بتسليمها للاحتلال التركي مجاناً، وإذا ما قررت الذهاب نحو المواجهة العسكرية، فإن السيناريو الذي حدث في مدينة عفرين بريف حلب الشمالي الشرقي في آذار من العام الماضي هو الأقرب للتطبيق، إذ إن الولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف شمال الأطلسي لن تقف أمام رغبة أنقرة بإنهاء ما تسميه "تهديدات الامن القومي التركي"، إذ ترى حكومة أردوغان بوجود الفصائل الكردية المسلحة في الشمال السوري نواة لإنشاء كيان كردي مستقل أو شبه مستقل يمكن أن يتحول لحديقة خلفية لحزب العمال الكردستاني الذي يعد عدواً في الأدبيات التركية.
ما ستذهب إليه المنطقة الشرقية في سوريا بات رهين احتمالات القدرة الأمريكية على إمساك العصا من المنتصف ما بين "أنقرة" وقوات سوريا الديمقراطية، لكن المنطق والتجربة تقول أن واشنطن إذا ما ألزمت على المفاضلة ما بين "قسد" و "أنقرة"، فإنها لن تخسر القاعدة المتقدمة للناتو في الشرق الأوسط لصالح الحفاظ على وجود ميليشيات مسلحة غير شرعية وغير معترف بها من قبل الناتو نفسه، كما إن القيادات الكردية تعرف أن "قسد" هي الحلقة الأضعف في أي توافق دولي ما بين أنقرة وواشنطن حول الملف السوري.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: