احتمالات ما بعد "داعش"!
محمود عبد اللطيف
تكرار للسيناريو الذي حدث منتصف شهر أيلول من العام 2019، تُبعد قيادة "مجلس سوريا الديمقراطية"، كامل الميليشيات المشكلة من المكون العربي عن الصورة، لتنفرد الوحدات الكردية التي تعد بمثابة الذارع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي بالوقوف أمام كاميرات وسائل الإعلام الدولية، لتنسب الانتصار المزعوم على تنظيم "داعش" لنفسها دون بقية مكونات "قوات سوريا الديمقراطية".
في المعلومات، أبعد كل من "فوج خابات الشعيطي – فوج هجين - جيش الثوار – فوج أبو العبد - مجلس ديرالزور العسكري - مجلس منبج العسكري - لواء الشمال الديمقراطي"، على الرغم من لعبهم دور "رأس الحربة" في عمليات الاقتحام البرّية للمناطق التي كانت تحت سيطرة تنظيم "داعش"، في كل من ريف الرقة الشرقي، وريف دير الزور الغربي، وصولاً إلى ريف دير الزور الجنوبي الشرقي، وفي معركة "باغوز فوقاني" التي كانت آخر القرى التي يسيطر عليها التنظيم على الضفة الشرقية لنهر الفرات، كانت الميليشيات المشكلة من أبناء عشيرة "الشعيطات"، هي من تشتبك بشكل حقيقي مع تنظيم "داعش"، في أولى المعارك التي لا تنتهي من خلال الاتفاقيات، ويمكن وصفها بالمعركة الحقيقة الوحيدة التي خاضتها "قسد" طيلة الأعوام الخمسة الماضية ضد تنظيم "داعش"، فيما المعركة الوحيدة التي خاضتها "الوحدات الكردية" ضد التنظيم كانت خلال هجومه على مدينة "عين العرب"، بريف حلب الشمالي الشرقي، وما تبقى من معارك كانت عبارة عن عمليات قصف جوي مكثف من قبل التحالف الأمريكي، تجبر تنظيم "داعش" على الدخول في مفاوضات تسليم هذه المنطقة أو تلك، وبدأت هذه الاتفاقيات من مدينة "الشدادي" بريف الحسكة الجنوبي، وصولاً إلى "منبج – الطبقة – المنصورة – الرقة – حقول دير الزور النفطية – هجين"، وأخيراً باغوز فوقاني، ليبقى المخيم عصيا على "قسد"، حتى ليل 19 من آذار الحالي، حيث ارتكبت المقاتلات الأمريكية جريمة إبادة جماعية بحق من بقي في مخيم باغوز فوقاني، وفي ليلة واحدة قضى أكثر من 1000 شخص نحبهم حرقاً بقذائف الفوسفور الأبيض المحرم دولياً، وفي المعلومات أيضاً، أن المعركة لم تحسم برغم الإعلان الرسمي الذي أصدرته "قسد" من حقل العمر النفطي بزعمها تهنئة العالم بـ"نهاية داعش"، فالتنظيم مازال يمتلك خلايا نائمة في كامل المناطق التي تنتشر فيها "قسد"، كما إن بعضاً من عناصرها يتحصنون في منطقة التلال الصخرية الواقعة إلى الشرق من الباغوز نفسها.
محاولة الانفراد بالنصر على داعش، تأتي بقصد تحقيق عدة أهداف معاً، الأول كسب التأييد الدولي لـ"الوحدات الكردية" تحديداً، بكونها المستهدفة من تصريحات رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان حين يلوح بعملية عدوانية جديدة على سورية في مناطق شرق الفرات، فهذه الوحدات وباعتراف عدد كبير من أعضاء الكونغرس الأمريكي ترتبط بشكل وثيق بحزب العمال الكردستاني الموضوع على لائحة المنظمات الإرهابية من قبل مجلس الأمن، ويراد من إظهار "وحدات حماية المرأة" التي تعد جناحا عسكريا نسويا للوحدات الكردية، على إظهار ما تسميه وسائل الإعلام الموالية لـ"قسد"، بـ"نضال المرأة الكردية ضد الإرهاب"، ويركز كل قيادات "قسد" من الشخصيات الكردية على ذكر الإيزيديين وتخليصهم من تنظيم "داعش"، في كل مناسبة ممكنة، وهنا لابد من التذكير بما كتبته رئيسة المكتب التنفيذي لمجلس سورية الديمقراطية "إلهام أحمد" في صحيفة "تليغراف"، البريطانية، إذ اعترفت بأن ما أسمته بـ"انتصار قسد على تنظيم داعش لا يحظَ بالتقدير اللازم من قبل الحكومات الأوروبية".
ومن الأهداف المهمة بالنسبة للقيادات الكردية، هو إظهار الوحدات الكردية على إنها "جهة شرعية الوجود"، بكونها تحارب الإرهاب ممثلاً بتنظيم "داعش"، إلا أن هذه الشرعية غير موجودة، نظراً لكون الوحدات الكردية وحلفائها من بقية الميليشيات غير مكلف بشكل رسمي من قبل الدولة السورية التي تحصر الدور القتالي للتنظيمات الإرهابية بالمؤسسة العسكرية والقوات الرديفة لها، إضافة لقوات الحلفاء العاملة على الأرض، وبكون "قسد" لا تعتبر نفسها جزءاً من القوات الرديفة، وإنما تحاول الظهور بصورة الند للحكومة السورية لتحصيل مكتسبات سياسية وميدانية لها.
الطريف أن "قسد" تطالب فيما أسمته بـ"بيان النصر على داعش"، الحكومة السورية بما أسمته "اعتراف الحكومة المركزية بالإدارات الذاتية المنتخبة في شمال وشرق سوريا"، وهذا اعتراف من قسد نفسها بأنه قوة غير شرعية، ناهيك عن كون تواجد قوات التحالف الأمريكي على الأراضي السورية بدون موافقة دمشق، يعد احتلالا عسكرياً لجزء من الأراضي السورية تبعا لتعريفات القانون الدولي، وتصريحات الحكومة السورية، ولا يحتاج الأمر هنا إلى شرح الطريقة التي تمت فيها عملية "انتخابات قسد"، والتي لم توفر وسيلة للضغط على المدنيين للمشاركة فيها، بما في ذلك التهديد بوقف المساعدات عن سكان المخيمات إن لم يشاركوا في تلك الانتخابات.
وتقول مصادر كردية، إن "قسد" بالغت كثيراً في الإعلان عن خسارتها 11 ألف مقاتل خلال العمليات القتالية ضد تنظيم "داعش"، ففي أحسن الأحوال لن يصل عدد قتلاها طيلة السنوات الخمس الماضية إلى 3000 شخص، وهو رقم ليس بالقليل، إلا أنها تمارس نوعاً من الابتزاز الإنساني للمجتمعات الأوروبية لتكسب دعمها في مرحلة تعد من أعقد المراحل السياسية التي ستمر على المنطقة الشرقية، فما بين تهديدات النظام التركي، ورفض الناتو إلى الآن الدخول فيما تسميه واشنطن بـ"قوة المراقبة المشتركة"، والخوف من إعلان واشنطن أن انتصارها على "داعش" يشكل ساعة صفر للبدء بعملية سحب القوات الأمريكية من سوريا، فإن "قسد" تجد نفسها أمام مجموعة من الاحتمالات، الأول الدخول في عملية تفاوض مع الدولة السورية، وهو أمر تعارضه واشنطن، والثاني الدخول في المنطقة الآمنة وفقاً لما تراه المحادثات التركية–الأمريكية"، وهذا يضعف موقفها أمام الرأي العام المؤيد لها أو غير المؤيد في المنطقة الشرقية، إذ ستجبر على تسليم مناطق الشريط الحدودي لمن تتفق عليه أنقرة وواشنطن، والاحتمال الثالث الدخول في حرب جديدة مع النظام التركي دون تدخل من أي طرف خارجي لمنع ذلك في صورة تكرر سيناريو مدينة عفرين، أما الاحتمال الرابع فهو الاقتتال الداخلي بين مكونات "قسد"، في حال قرر الأمريكيون الانسحاب من الداخل السوري وترك حراس لـ"المحميات النفطية" التي تريدها الإدارة الأمريكية من خلال تركها لـ400 من جنودها في سوريا، وقد تواجه "قسد"، أكثر من احتمال في آن معاً.
لا يبدي الساسة الأكراد ارتياحاً للمرحلة القادمة، فهي مرحلة فيها الكثير من الألغام السياسية التي قد تشعل حروباً مباشرة في المنطقة الشرقية، ربما يكون آخرها المواجهة العسكرية مع الجيش السوري، إذ إن دمشق تفرد المساحة الأكبر لحل المسائل المتعلقة بالمنطقة الشرقية من خلال الحوار بشرط التخلي عن التعامل مع الأطراف الخارجية من قبل "قسد"، ويبدو أن الأخيرة وإن كانت غازلت الحكومة السورية في أكثر من مناسبة إلا أنها لن تقوى على الدخول في حوار جدي مع دمشق يذهب أبعد من الأمور الخدمية بدون موافقة واشنطن.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: