Saturday November 23, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

اقتصاد مصر في خدمة الأغنياء

اقتصاد مصر في خدمة الأغنياء

فارس الجيرودي  

«وثقنا بالرئيس السيسي ونزلنا الانتخابات ورقصنا أمام اللجان، هو دا جزاتنا؟! كل حاجة غليت زمن السيسي، الطماطم، البطاطس، الزبدة، السكر اتفقد، النور قريب حيعملهولنا شحن بالبطاقة زي كرت الموبايل» هكذا وصفت فرحات المواطنة المصرية القاطنة في حي بولاق الدكرور الشعبي، معاناة الأغلبية العظمى من المصريين، التي ساندت قائد الجيش السابق الجنرال السيسي بعد عام سيئ من الحكم الأخواني، وتوقعت أن يكون وصوله إلى سدة الحكم فاتحة خير لإنجازاتٍ اقتصادية تخرج البلاد من أزمتها التي وضعتها فيها عقود عجاف من حكم مبارك والسادات، لكنها فوجئت بعد خمس سنوات من حكم السيسي بواقع يخالف تماماً توقعاتها.

بالنسبة إلى عدد من خبراء الاقتصاد المصريين الميالين إلى اليسار، وانطلاقاً من التجارب الاقتصادية الفاشلة خلال الأربعين عاماً الماضية، فقد انتظروا من السيسي إعادة إحياء التجربة الاقتصادية الناصرية، عبر تعزيز دور الدولة في الاقتصاد، وتقليص نفوذ رجال الأعمال أو(القطط السمان) كما يسمون في مصر، وهم نخبة مقربة من السلطة بدأت صعودها المالي في حقبة ما بعد كامب ديفيد، حين فرض التحالف مع الولايات المتحدة على السادات تطبيق نموذج انفتاح اقتصادي متوافق مع معايير السوق الحر، فتخلت الدولة عن طموحاتها الصناعية والتنموية الكبيرة التي بدأتها في زمن جمال عبد الناصر، واستبدلتها بخطة لخصخصة مصانع ومؤسسات القطاع العام، التي بيعت بثمن بخس لحفنة من رجال الأعمال القريبين من السلطة، ممن حصلوا إلى جانب ذلك على وكالات حصرية لاستيراد المنتجات والسلع الاستهلاكية، كما تم إهمال الزراعة، والتوجه نحو الاقتصاد الخدمي المعتمد على إيرادات السياحة، فكانت النتيجة نمواً مختلاً استفادت منه طبقة من الأثرياء، فازدادت الفروقات الاجتماعية، وتقلصت المساحات المزروعة، وتراجعت الصناعة، وعانى المصريون خلال ذلك من تقلص مستمر في مدخراتهم المالية نتيجة سياسة تعويم الجنيه، التي أدت إلى انخفاض دوري في سعر العملة المحلية.

لكن السيسي بدلاً عن التراجع عن سياسات سلفيه، عمق وسرع من عملية التحول نحو الاقتصاد الرأسمالي المتوحش، حيث دشن عهده في تموز 2014 بقرار رفع الدعم الحكومي عن المشتقات البترولية، ثم رفع الدعم عن الغاز الحكومي في موازنة 2014-2015، كما كشفت حكومة المهندس "إبراهيم محلب" أن رفع الدعم عن الكهرباء سيتم بالتدريج خلال خمس سنوات، تلا ذلك إعلان الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي اعتزامها المضي في خطة تخفيض دعم خدمات المياه والصرف.

كما تم رفع سعر تذكرة الميترو، لاحقاً كشفت تسريبات صوتية للرئيس السيسي، عن رأيٍ صادم فيما يخص دور الدولة في حماية الطبقات الفقيرة عبر دعم أسعار السلع الأساسية، حيث رأى السيسي أن خطأ الرئيس السادات الاستراتيجي كان تراجعه عن خطته الاقتصادية التي أدت إلى ارتفاع الأسعار، واندلاع انتفاضة 1977 وقتها لم يتدخل الجيش المصري لقمع المظاهرات، إلا بعد تعهد السادات بإعادة الأسعار إلى ما كانت عليه، بالنسبة للسيسي «مفيش حاجة ببلاش بعد كده» وبالتالي الدولة غير مسؤولة عن توفير السلع لمواطنيها بأقل من أسعار السوق.

بالمقابل واستجابة لاعتراض النخبة المالية أعلنت رئاسة مجلس الوزراء المصري عن تأجيل تطبيق ضريبة الأرباح على البورصة، وذلك بعد أن كان وزير المالية كشف عن خطةٍ لجباية هذه الضريبة، التي كانت ستدخل خمسة مليارات جنيه سنوياً إلى إيرادات الدولة في حال تطبيقها.

واستباقاً لـ"مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي"، وافقت الحكومة المصرية على تخفيض الحد الأقصى للضريبة على الدخل من 25% إلى 22.5%، وعلى إلغاء الضريبة الاستثنائية الإضافية، وكلها قرارات تصب في مصلحة طبقة الأثرياء، التي أثبتت مرحلة عدم الاستقرار الاقتصادي بعد ثورة كانون الثاني يناير 2011 ، أنها الأكثر مسارعةً إلى تحويل ثرواتها إلى العملات الأجنبية وتهريبها خارج البلاد.

بالمقابل ورداً على التململ الشعبي من السياسات الاقتصادية، أصدرت الحكومة المصرية في 8 أيلول 2018 كتاباً تحت عنوان :«مصر: التحدي والإعجاز» ووزعته على وسائل الأعلام، حيث تناول الكتاب، بالتفصيل 7777 مشروعاً تم تنفيذها من العام 2014 حتى حزيران 2018 وكلفت نحو 1.6 تريليون جينه مصري، لكن محاولة الحكومة المصرية تبدو شديدة البؤس، فمشروعات الرئيس السيسي التي قال في مؤتمر "رواد الأعمال في افريقيا" أنه لم ينتظر دراسات جدوى لتنفيذها، صارت موضع تندر في الشارع المصري، فشاع عنها وصف «الفنكوش» وهي سلعة وهمية كانت موضوع قصة أحد أفلام النجم المصري عادل إمام.

لعل مشروعا قناة "السويس الجديدة" و"العاصمة الإدارية الجديدة" هما أبرز ما عول عليه السيسي لانتشال مصر من وضعها الاقتصادي المتردي، لقد كلفت القناة الجديدة مبلغاً ضخماً بمقاييس دولة متعثرة اقتصادياً «8 مليارات دولار»، ويتهم منتقدوها الحكومة المصرية بالميل للاستعراض في تنفيذها، حيث تمت الاستعانة بشركات أجنبية بهدف اختصار مدة التنفيذ، وتقديمها للعالم كفاتحة لعهد السيسي، تحت شعار«قناة السويس الجديدة هدية مصر للعالم»، فيما كان بمقدور الشركات المصرية تنفيذ المشروع بكلفة أقل و بمدة أطول، كما أن المشروع برمته لا يلائم حالة الركود الاقتصادي التي تجتاح العالم، حيث انخفضت إيرادات قناة السويس الأصلية بسبب ذلك، فلم إنفاق المال على قناة جديدة موازية إذاً؟، في الوقت الذي يبدو فيه المجتمع المصري بحاجةٍ ماسة إلى مشروعات أكثر إلحاحاً مثل تنظيم الأحياء العشوائية البائسة، وإيجاد حلول لمشكلة المشردين وسكان المقابر، أوزيادة خطوط المترو لتخفيف الازدحام الخانق الذي تعاني منه القاهرة، أو ربط المحافظات المصرية بشبكة طرق حديثة مما كان سيؤدي تلقائياً إلى إنعاش الاقتصاد.

يرد الرئيس السيسي في حديث تلفزيوني بأن مشروعاته لم تكلف ميزانية الدولة قرشاً واحداً، فقد مولت كلها من القروض الخارجية، متناسياً أن الدين الخارجي ارتفع في عهده إلى نحو 93 مليار دولار، حيث تلتهم خدمة الدين نحو 83% من الإيرادات المصرية، مع ما تشكله من عبء ثقيل ستدفع ثمنه الأجيال القادمة.

المشروع الثاني الذي احتل حيزاً هاماً من ترويج وسائل الإعلام المصرية هو مشروع "العاصمة الإدارية الجديدة"  حيث قدمت للرأي العالم كـ«أكبر المدن الذكية في العالم»، وكان مخططاً في البداية تنفيذ المرحلة الأولى منه على مساحة 33 ألف فداناً من إجمالي 170 ألفًا مخصصة للمشروع، لكن عملياً بدأ العمل بـ10.5 آلاف فداناً فقط، حيث يقول منتقدو المشروع أنه تحول إلى مجرد حيٍ سكنيٍ جديد من أحياء الأثرياء المعروفة بـ"الكامبوندات" و المنتشرة في محيط القاهرة، والتي يحرس بواباتها رجال الشركات الأمنية الخاصة، ويحظر على الفقراء دخولها.

لقد كنت السنوات الماضية من حكم الرئيس السيسي كافيةً لتبرهن على أن بنية النظام الذي أقامه الرئيس المصري السابق "أنور السادات" عقب انقلابه على التجربة الناصرية، راسخةٌ مستمرة، بل لقد أعادت إنتاج نفسها بتحالفاتها الداخلية مع رجال الأعمال و النخب العسكرية، وبتبعيتها الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، كما ثبت أن ما يعرف في مصر بـ "ثورة يناير" 2011 كانت أعجز من أن تحدث أي تغيير حقيقي في المعادلة المصرية، لتبقى "ثورة يوليو" 1952 الوحيدة التي تستحق فعلاً لقب الثورة، لما أحدثته من تغيير جذري داخلياً فيما يخص إعادة توزيع الثروة والسلطة في المجتمع المصري، وخارجياً بما انتهجته من سياسات تحريرية . 

 

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: