لماذا تنبئ زيارة الأسد لطهران بمرحلة جديدة؟
فارس الجيرودي
عكس الزيارات البروتوكولية التي تتبادلها القيادات السياسية عادةً، بهدف المجاملة أو حتى التنسيق الروتيني، لا يمكن فهم زيارة الرئيس الأسد لطهران، ضمن تلك السياقات، فالبلدان مرتبطان بغرف متشركة، وقنوات تنسيق على كافة المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية، كما أن العلاقة الاستراتيجية بينهما اجتازت ما لا يمكن تصوره، من الأفخاخ والتحديات والإغراءات والضغوط التي انصبت على كل منهما في مراحل مختلفة، بهدف إضعاف علاقتهما والنيل منها، لكن التحالف السوري-الإيراني رغم كل ذلك، بقي الثابت الأهم في الخريطة الجيوسياسية للمنطقة منذ 40 عاماً.
لذلك لا يمكن تفسير الزيارة بأنها مجرد إعلان عن رسوخ العلاقة وثباتها، فهذا بات من نافل القول، ويمكن التعبير عنه دون الحاجة لمخاطرة الأسد بالسفر جواً في ظل التوتر الذي يذخر به المجال الجوي السوري، بل علينا أن نتوقع وجود حاجةٍ لبلورة قرارات مصيرية، لا يمكن معها الاكتفاء بالرسائل المتبادلة كتابةً أو شفاهاً، بل تستدعي لأهميتها القصوى لقاء القيادتين وجهاً لوجه.
ولعل الدلالة الأهم في هذا السياق، استبدال وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف" بقائد الحرس الثوري "قاسم سليماني"، الذي اختير من بين المسؤولين الإيرانيين ليحضر اجتماعات الأسد بكل من المرشد الإيراني ورئيس الجمهورية "حسن روحاني"، ما يمكن أن نستنتج منه طابع التصعيد المقبلة عليه المنطقة ككل والمواجهة في سوريا خصوصاً، وهذا ما أكدته الاستقالة التي تقدم بها عراب الاتفاق النووي الإيراني ظريف، الذي يعني خروجه من المشهد السياسي إغلاق الباب الذي كان موارباً في طهران على التسويات.
وبالتالي انتصار وجهة نظر التيار الإيراني القائل باستحالة التسوية مع الغرب دون التخلي عن الثوابت الإيرانية، على التيار الذي اعتقد بإمكان إنجاز مثل هذه التسوية، وجني ثمارها الاقتصادية والاستثمارية، دون التخلي عن التزام إيران بقضية الصراع مع إسرائيل، وما يستدعيه ذلك من علاقات تحالف مع دمشق وحزب الله والفصائل المسلحة الفلسطينية، وهذه كانت وجهة النظر التي مثلها ظريف.
ذلك بالضبط ما فهمته صحيفة الجارديان البريطانية من الاستقالة، حيث توقعت أن تكون آخر مسمار يدق في نعش الاتفاق النووي مع طهران، مع إمكانية عودة إيرانية قريبة للتخصيب المرتفع لليورانيوم في مرحلة ما بعد ظريف.
كما تتزامن الزيارة مع وصول مسار المهل الروسية الممنوحة للرئيس التركي أردوغان إلى منتهاها، فيما يخص تعهده بالقضاء على التنظيمات المتطرفة في محافظة ادلب، والتي بدلاً من ذلك سيطرت على كامل مساحة المحافظة، مصفيةً آخر جيوب ما يسمى بالمعارضة السورية المسلحة.
يمكننا أيضاً توقع أن تكون أجندة اللقاء بين قائدي محور المقاومة، تضمنت ما رسى عليه صراع مراكز القوى في واشطن بين ترامب ومعارضيه حول ملف الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، حيث أضحى واضحاً أن الاستراتيجية الأمريكية الطامحة لخلق دويلة كردية شرق سوريا لن تتغير، رغم إدراك القائمين على تلك الاستراتيجية، مدى ضآلة فرض تحقق ذلك على أرض الواقع، مع العلم أن القياديتين السورية والإيرانية شككتا منذ اللحظة الأولى في جدية ما أعلنته واشنطن من عزمها الانسحاب تماماً من ساحة الصراع في سوريا.
لكننا بالمقابل نجزم بأن بند الاعتداءات الجوية الاسرائيلية والرد عليها، احتل نصيب الأسد من محادثات الطرفين، فالزيارة تأتي إثر تصريح الجنرال "علي شمخاني" أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، الذي رد فيه على ادعاءات نتنياهو حول نجاح سلاح الجو الإسرائيلي في إجهاض التموضع الإيراني في سوريا، حيث أكد شمخاني «أن محور المقاومة حقق أكثر من 90% من أهدافه على ساحة الصراع في سوريا»، متوعداً بارتفاع منسوب الردع السوري-الإيراني في مواجهة الهجمات الجوية الإسرائيلية خلال المرحلة المقبلة.
ويمكن اعتبار وصف قائد الثورة التي تحدت الإرادة الأمريكية في المنطقة طوال 40 عاماً، للرئيس الأسد بأنه بطل العالم العربي، الملخص الموجز للموقف والمرحلة، فالرئيس الذي نجح في الصمود أمام حلف شكلته الولايات المتحدة من 63 دولة لإسقاط دولته، لن يكتمل انتصاره إلا بكسر العنجهية الصهيونية.
المصدر: خاص
شارك المقال: