على عين الجمارك... الهروب عبر الحدود
نور ملحم
مع بدء سياسة التضييق على السوريين في لبنان، زادت حركة تهريب البشر بين الطرفين، خلال الشهور الثلاثة الماضية، بعدما باتت منظمة من قبل المهربين المحليين بالتعاون مع جهات أمنية.
نساءً وأطفال وهاربون من "خدمة العلم" يضطرون إلى سلوك طرق وعرة في ظل ظروف مناخية قاسية صيفاً، هذا ما أكده "مصطفى" اسم مستعار لشاب يعمل بتهريب السوريين من "المصنع" إلى "بيروت" مقابل مبلغ يقدر ما بين (150- 200) دولار على الشخص.
يشير في حديثه لـ "جريدتنا": «وقع العشرات من الأشخاص في قبضة دوريات الجيش اللبناني وأجهزة أمنية أخرى، إذ يتم ضبطهم خلال محاولة الانتقال سراً، كما حصل قبل نحو ثلاثة أسابيع حين جرى توقيف العشرات من النساء والأطفال والرجال أثناء سلوكهم طرقاً غير شرعية محاذية لمعبر المصنع اللبناني الرسمي».
وبحسب تعبير "مصطفى" فإن «المال هو سيد الموقف بهذه الحالات، فمن يدفع أكثر يستطيع الفلول ومن يتمنع يبيت في الفلاء علَ القدر يكون لجانبه بهذا الموقف الذي لا يحسد»، لافتاً إلى التساهل الكبير من قبل الجمارك السورية، حيث يتم السماح للشباب بتجاوز الحدود السورية مقابل 100 دولار».
الواقع المر "على عينك يا تاجر"..
هذا الواقع ليس إلا انعكاساً لـ "ازدهار" نشاط عصابات تهريب الأشخاص وإدخال السوريين بطرق غير شرعية عبر المعابر الجبلية إلى "لبنان" في مقابل أموال طائلة، وهو "الخيار المُر" الذي بات كثيرون يلجؤون إليه رغم كل مخاطره بسبب الإجراءات المتشددّة التي اعتمدتها "بيروت" للحد من تدفق النازحين الذين تجاوز عددهم ثلث سكان "لبنان"، الأمر الذي وضع مديرية الأمن العام اللبناني أمام مسؤولية الحدّ من تزايد الوافدين من خلال رفْع "شروط الدخول" الرسمي، قبل أن تجد الأجهزة الأمنية لاحقاً نفسها أمام تحدي مواجهة "مد" المتسللين سراً إلى لبنان.
"خالد العبد الله"، نازح من "دير الزور" مع عائلته المؤلفة من أربعة أطفال وزوجته، اضطر لأن يبيت في العراء لمدة أسبوع بين الحدود اللبنانية - السورية بعدما منعه عناصر الأمن العام من الدخول لعدم قدرته على تأمين أوراق مطلوبة، وكانت هذه الأيام كفيلة بأن يقبل عروض سمسار لأحد المهربين بإدخاله وزوجته وأطفاله لقاء 500 دولاراً، مقابل أن يقطع مسافة نحو 800 متر سيراً على الأقدام في طريق جبلية بعيدة عن عيون أجهزة الأمن اللبنانية.
يقول لـ "جريدتنا": «لا يوجد باليد حيلة لا استطيع العودة إلى "سوريا"، ما عرفنا كيف طلعنا من الدير، ولا حتى كيف وصلنا عالشام، وما عندي شغل ولا بيت فكان الخيار الوحيد هو لبنان لأن في شغل عيش ولادي بعيد عن كل المشاكل».
يتنهّد الرجل بعمق ليروي كيف قبِل بعرض الدخول تهريباً: «بعد محاولات عديدة للدخول شرعياً واستحضار حجز فندقي كلّفني 200 دولار، قال موظف الأمن أن الحجز وهمي، ورفض دخولنا، نمنا في الشارع مقابل الأمن العام، وفي اليوم الثاني أيضاً حاولتُ ومُنعت، وحينها أتى شاب عشريني، وبعدما شرحتُ له ما حصل معي عرض عليّ الدخول بطريقة غير شرعية، مقابل 500 دولار، ترددتُ في بادئ الأمر، ولكن حين عجزتُ عن الدخول رسمياً، اتصلتُ بعد أيام بالشاب واتفقتُ معه وأنا حالياً انتظره».
فارون من التجنيد الاحتياطي..
إلى جانب عائلة "خالد" كانت يقف العديد من الشباب لم تتعدى أعمارهم 19 ينتظرون المهرب ليتم نقلهم سيراً على الأقدام نحو ساعة من الزمن من الجهة الجنوبية لمعبر المصنع، وبحسب الشاب الذي يعمل كدليل لتهريب العائلات فإنه يوجد غرفة في المنطقة الجبلة يسمح لهم الوقوف والارتياح حوالي نصف الساعة قبل أن يأتي شاب آخر وينقلهم بشاحنة صغيرة إلى داخل قرية "الصويري"، هناك يجدون حقائبهم التي تم نقلها بطريقة نظامية عبر الحدود ليتم نقلهم فيما بعد "بسيارة فان" إلى البقاع الغربي.
لا يختلف حال مجد عن حال الكثيرين من الشباب الهاربين من التجنيد الاحتياطي في سوريا ويقول لـ "جريدتنا"" «دفعتُ 300 دولار للجمارك السورية لكي أستطيع تجاوز الحدود كما دفعت 350 دولاراً مقابل دخولي إلى لبنان تهريباً».
يقول "مجد" إن «عملية التهريب عند الحدود تكون في الليل، وتشمل قطع مسافة نحو 2 كيلومتر في جديدة يابوس، ونحو كيلومتر في المصنع اللبناني، ويضيف، المهرّب طلب مني القسيمة ليتأكد (إني مو مطلوب للأمن)، وحين علِم أنني أيضاً قطعت الحدود السورية عن طريق التهريب، طلب مني 500 دولار، وبعد تدخل شخص آخر، خفّض المبلغ الى 350 دولاراً».
300 شخص يهرب يومياً من سوريا
أصبح من المتعارف عليه أنه في زمن الحرب تكثر الأعمال غير القانونية، وبحسب مصدر من الجمارك السورية، فإنه «أكثر من 150 شخصاً يستفيد من مهنة تهريب البشر بين وسيط وسائق سيارة وفان، و دليل طريق»، مقدراً أن «عدد الذين يدخلون يومياً تهريباً 250- 300 والعدد ذاته أيضاً في المغادرة».
وأكد المصدر في تصريحه لـ "جريدتنا" أن «عمليات التهريب تزايدت في ظل إجراءات الأمن العام اللبناني، من دون أن توضع خطة بالتوازي مع الأجهزة الأمنية والعسكرية للحد من تزايد الدخول خلسة، وهو ما يرفع من نسبة المخاوف من إدخال مسلحين، وهذا يسهّل عملهم كخلايا نائمة كونهم لم يمروا على أجهزة الأمن ولا سجلّات لهم».
وأشار المصدر إلى «وجود مذكرة موجهة لمديرية الجمارك اللبنانية، تنص على وجوب تسوية وضع السوري العائد المخالِف من دون وضع منْع دخولٍ له إلا في الحالات الاستثنائية، لأن ذلك سبب رئيسي في تزايد التهريب، كذلك موضوع الأسر التي لدى أحد أفرادها عقد إيجار وكفالة، فهنا تنتفي مسألة الحجز الفندقي، أو عقد إيجار لكل شخص بشخصه، وأيضاً هناك موضوع الأطفال الذين يدخلون برفقة أعمامهم وأخوالهم، فما دامت السلطات السورية أجازت لهم الخروج بناءً على توكيل، لا يجوز أن نرفض دخولهم من دون موافقة الأبوين، وهناك حالات أطفال السوريات واللبنانيات المتزوجات من فلسطيني سوري، فلا يعقل أن يُسمح للأم بالدخول ويُمنع دخول الطفل أو الطفلة كونها فلسطينية، أو انتظار موافقة مدير عام الأمن العام على الدخول وهذا يتطلب وقتا طويلاً، والمفروض أن يلحظ القانون هذه الحالات».
ومن أبرز الطرق التي يسلكها النازحون من سوريا باتجاه الأراضي اللبنانية هي الطرق الجبلية والوديان الوعرة، على جانبي نقطة المصنع الحدودية، وتؤدي تلك الطرق إلى بلدة "مجدل عنجر" اللبنانية، هذا بالإضافة إلى الطرق الحدودية الواصلة ما بين بلدة "سرغايا" السورية وبلدتي "معربون" و"حام" اللبنانيتين.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: