Saturday November 23, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

معدل الفائدة وسعر الصرف والنمو الاقتصادي في سوريا

معدل الفائدة وسعر الصرف والنمو الاقتصادي في سوريا

د.مدين علي 

تسعى الدول في ظروف الحروب والأزمات الاقتصادية، نحو ابتكار سياسات اقتصادية خلاقة، لتحقيق أهداف اقتصادية معينة، يندرج في مقدمتها تحفيز النمو الاقتصادي وتسريع وتائر الانتاج، وتحسين سعر الصرف، وكبح جماح معدلات التضخم، وتخفيض معدل البطالة، واستعادة الاستقرار النقدي، وتحقيق التوازن المالي، وتحسين مستوى القوة الشرائية للدخول والمرتبات، كمدخل لتحسين نوعية الحياة ومستوى المعيشة وغير ذلك.

وفي كافة الأحوال، تعدُ سياسة استهداف تخفيض سعر الفائدة، أحد أهم مكونات سياسات الاستهداف الاقتصادية، وذلك بحسبان التخفيض، سياسة تساعد في تشجيع تدفق رؤوس الأموال، والاستثمارات نحو الداخل، كما تساعد في تخفيض تكاليف الاستثمار والإنتاج، وبالتالي تخفيض المستوى العام للأسعار، ما يعني زيادة قدرة المنتجين على تصريف الإنتاج، والبيع في الأسواق الداخلية والخارجية، الأمر الذي ينعكس لاحقاً، بصورة إيجابية على سعر صرف العملة الوطنية، وقوتها الشرائية. 

وفي سياق متصل، وبهدف تحسين مستوى سعر صرف العملة الوطنية، أو الحد من تراجعه، كمدخل لتحسين القوة الشرائية للدخول والمرتبات، تتجه السلطات النقدية، نحو تخفيض سعر صرف العملة المحلية، كأداة لتشجيع الصادرات، إذ يساعد التخفيض في زيادة قدرة المصدرين المحليين على التصدير، كما يساعد في تخفيض سعر المنتج الوطني، وبالتالي زيادة حجم الصادرات وتدفق القطع الأجنبي، ما ينعكس بصورة جيدة على سعر صرف العملة المحلية. ويبقى السؤال المطروح، هل تعدُ سياسة استهداف تخفيض سعر الفائدة، وسعر صرف، سياسة مجدية في حالة الاقتصاد السوري؟.

يعد سعر الفائدة المدينة والدائنة في سورية منخفضاً، إذ بقي (سواء كان بصورة استهدافية أم بخلافها) محافظاً على مستوى معدلات ما قبل الحرب، مع انزياحات تكتيكية بسيطة، جرت وتجري من وقتٍ لآخر، في الوقت الذي استمر فيه سعر صرف الليرة السورية، يتجه هبوطاً بصورة متسارعة، حتى بلغ حدوداً خطيرة. ومع ذلك لم يتحفز الإنتاج، ولم يزداد حجم الصادرات، لا بل تراجع حجمها بصورة ملحوظة، وبقي معدل الناتج المحلي الإجمالي سالباً حتى اللحظة الراهنة، واستمر سعر صرف الليرة السورية، يتابع مساره الهابط بصورة دراماتيكية، واتجهت معدلات العجز المالي في الموازنة العامة للدولة، للارتفاع بصورة مخيفة، وأخذت مؤشرات الاستقرار النقدي مضمونا كارثياً خطيراً.  ويبقى السؤال لماذا، وما هي الأسباب، التي لم تساعد في انتاج الفرصة اللازمة لتحويل فرصة تخفيض سعر الفائدة وسعر الصرف إلى فرصة حقيقية، لإنتاج مخرجات ونتائج اقتصادية حقيقية مرضية، حتى بالحدود الدنيا؟ 

تنقسم الأسباب التي تفوِت إمكانية تحوُل تخفيض سعر الفائدة وسعر الصرف إلى فرصة حقيقية، لتحفيز الإنتاج والنمو، إلى أسباب سياسية وأمنية وعسكرية داخلية وخارجية، لا يتسع الإطار للخوض في تفاصيلها الآن، وإلى أسباب أخرى، اقتصادية يندرج بعضها في نطاق الأسباب والأساليب الإدارية والإجرائية والتنظيمية، يمكن الإشارة إلى بعضها عن طريق الآتي: 

 سيطرة المافيا على بعض مفاصل الاقتصاد السوري، واستحواذها على الفائض الاقتصادي، ومعظم الكتلة النقدية السورية والدولارية، التي أصبحت بغالبيتها، لا تستجيب لاستهدافات السياسة النقدية وغير النقدية.

 عدم قيام الحكومة باتخاذ إجراءات نوعية كافية، للتكيف مع ظروف الأزمة ومتطلباتها، تحديداً لجهة ما يتعلق بتحديد أولويات الاستيراد، وضبطه بحدود المتطلبات الضرورية، والبدائل السياسياتية اللازمة لتحفيز النمو والإنتاج، الذي يعد خشبة الخلاص بالنسبة للمشكلة الاقتصادية في سورية، بما في ذلك مشكلة سعر الصرف. 

 فيما تكمن الأسباب الاقتصادية الأخرى، التي حالت دون تحوُل التخفيض إلى فرصة حقيقية، في طبيعة نمط الإنتاج، ونموذج التنمية، وخصائص البنية الاقتصادية، التي يمكن الإشارة إلى بعض ملامحها عن طريق الآتي:  

 ضعف مرونة هياكل الإنتاج السوري، وعدم توافر المرونة الكافية لديه، للاستجابة لتأثيرات أدوات السياسة الاقتصادية واستهدافاتها، لاسيما النقدية منها، وذلك يعود لأسباب هيكلية/ بنيوية تاريخية ومعاصرة.

 ارتفاع مستوى تبعية نمط الإنتاج والاستهلاك، واعتماده على مصادر التوريد والتغذية الخارجية. وهذا يظهر بوضوح بواسطة مؤشر ارتفاع المحتوى الاستيرادي (المكون الدولاري) للإنتاج وللاستهلاك في الاقتصاد السوري. بمعنى آخر إن الإنتاج والاستهلاك، يعتمدان على مكونات استيرادية واسعة من الخارج، ما يتسبب في جعل الإجراءات والتدابير المُتخذة لتحفيز النمو الاقتصادي، وتدابير تحسين مستوى المعيشة، تنتج ضغوطاً كبيره على القطع الأجنبي وميزان المدفوعات، وترتبُ عليه استحقاقات مالية كبرى، وتركة ثقيلة، سيرزح البنك المركزي تحتها أعبائها لوقتٍ طويل.

المصدر: خاص

بواسطة :

nour molhem

author

شارك المقال: