Saturday April 19, 2025     
00
:
00
:
00
  • Street journal

والله عيبٌ علينا نحن الشعب

والله عيبٌ علينا نحن الشعب

بديع صنيج

 

لا أدري لماذا نحن السوريين جاحدون إلى هذا الحد؟ وفوق ذلك نُصِرّ ونُمْعِن ونُلِحّ على رؤية النِّصف الفارغ من كأس الإنجازات الحكومية، متناسين النصف الممتلئ، ولو كان عَكِراً؟ فمُعظمنا ما زال "يُطوِّل لسانه" على الحكومة قبل منتصف كل شهر عندما يرى أن معاشه لم يستطع الصمود والتصدي أمام غلاء الأسعار، من دون أن يرفّ له جفن، وبلا أدنى سؤال لنفسه عن هذه القدرة العجائبية لحكومتنا العتيدة بتأمين تلك المعاشات، أم أنه لم يسمع من قبل أنها تُكلِّف خزينة الدولة تلك المبالغ الخيالية؟ وأن عليه التعاطي مع موضوع المعاش على أنه فعلاً "ما عاش" لأن "الأخضر" أكل اليابس والأخضر، بينما القائمون على هذا الموضوع لا يتوانون ولو للحظة في سبيل المُحافظة على استقراره، لكن تُجار السوق السوداء مصرون على أن يُسوِّدوا أيامنا وليالينا.

غريب أمرنا ونحن نستثمر في الخراب، خرابنا نحن، فما إن تنقطع الكهرباء ولو لخمسة ساعات متواصلة، حتى تنفلت الشتائم من أفواهنا كالشلالات، ألا نستحي من أنفسنا في تلك الأوقات، لاسيما أن هناك من يُريد أن يُعيد الألفة للعائلة السورية، ويلمّ شَمْلَها بعدما خرَّبته وسائل الإعلام، ونظيرتها المتعلقة بالتواصل الاجتماعي، فكل فرد بات يتكئ على أجهزته الذَّكية كأنَّها قرينه الروحي، وعندما قررت الحكومة بدء العمل بالبطاقة الذكية قامت عليها الدنيا ولم تقعد، من دون أن ندري لماذا كل هذه الازدواجية والشيزوفرينيا!

أما أولئك الذين يتذمرون ليل نهار من الوقوف لعدة ساعات في طابورٍ الغاز أمام البلدية الفلانية، وبعد ذلك يَهمُّون بحمل جرَّاتهم الفارغة والتَّوجُّه بأقصى سرعة إلى مكان التوزيع الذي تغيَّر بفعلة فاعل، ألا يُدركون أن الحكومة مهتمة بصحة مواطنيها، وأنها تعلم أن رياضة الجري من أهم الرياضات في حرق الدهون وتخفيض مستويات الكوليسترول والشحوم الثلاثية في الدم، وللسبب ذاته شَغَلَت أصحاب السرافيس في محطات المازوت وبالبطاقات الذكية والدَّور...، لتُتيح للمواطنين الأكارم الرَّكض والدَّفش والتَّشاطُر لتأمين مقعد وثير في وسائل النقل العام، كل هذا الاهتمام وما زلنا نتذكَّر "كروشنا" بحنين مَرَضيّ؟ والله عيب علينا، فنحن لا نُدرك كيف تُلعِّبنا الحكومة وتعاملنا باستمرار كأبنائها الضَّالين.

الأنكى من كل ذلك، أننا ما زلنا نُمَنِّنها بأننا لم نترك أشغالنا ووظائفنا وبلدنا في زمن الحرب، وكأن وزراءنا جاؤوا من بلاد "الهونولولو" ليستوزروا علينا، لكن على ما يبدو أننا استعذبنا النَّقّ المستمر في كل ما يتعلق بأبسط أمورنا المعيشية وأصغر شؤوننا الحياتية، فإذا أصبحت البيضة بخمسين ليرة "ننق"، وإن لم نستطع تأمين خبزنا كفاف يومنا، أو مازوت التدفئة لأطفالنا "ننق"، وفي حال طال انتظارنا على الطريق بسبب شرطي المرور "ننق"، وإن انحلَّت مفاصلنا وأعصابنا وعصبونات أدمغتنا من التَّعب "ننق"، وعندما تصبح شهاداتنا الجامعية لا تسوى قشرة بصلة "ننق"، وكُلَّما وُضِع الرَّجل غير المناسب في المكان غير المناسب "ننق"، حتى إن اختلَّت الدَّورة الشهرية لنسائنا وتذبذبت هرموناتنا الذكرية "ننق"، ونتهم الحكومة بأنها المسؤولة عن كل ذلك. أُقسم أنه عيب علينا.

 

المصدر: خاص

شارك المقال: