ما سر الخوف من المهاجرين؟
فارس الجيرودي
لا يمكن أن نفصل ظاهرة السفاح الاسترالي الفاشي "برنتون تارانت" عن سياق النظرة التي تحكم تعامل أوروبا مع بقية العالم خارجها منذ ثلاث قرون إلى الآن، فالرجل نشر على موقع "تويتر"، صباح يوم الجمعة، بياناً من 74 صفحة بعنوان «الاستبدال الكبير» يشرح فيه دوافع فعلته، والعنوان مقتبس من نظريةٍ وضعها أحد فلاسفة اليمين المتطرف الفرنسيين "رونو كامو" الذي اختار نفس العنوان لكتابه الصادر عام 2011، حيث تنبأ كامو بأن يتضخم عدد المهاجرين الملونين من خارج القارة الأوروبية، بسبب ازدياد موجات الهجرة، وبسبب معدلات توالدهم الكبيرة، وانخفاض خصوبة الأوروبيين بالمقابل، مما سيؤدي في النهاية حسب كامو إلى إحلال الغرباء مكان الشعوب الأوروبية، بالتالي يفترض سفاح المسجدين أن مجازر مثل تلك التي ارتكبها، هي الحل لتعويض نقص الخصوبة عند الشعوب الغربية.
النظرية السابقة عن إحلال شعوب غريبة مكان الأوروبيين لا تدعمها أي من الإحصائيات والأرقام حول أعداد المهاجرين ونسب تزايدهم في الدول الغربية، والملفت في السرديّة التي يتبناها سفاح نيوزيلاند، أنّه بينما يدّعي أن هجرة بعض المسلمين إلى "بلاد الغرب" ما هي إلا خطّة خبيثة لاستبدالٍ سكّانيٍّ كبير، وبينما ينتقي أبطاله بدقّة ممّن أوقفوا تقدّم جيوش العرب والمسلمين في أوروبّا منذ 1300 عام، يتناسى أنّه منذ مئتي عام فقط، كانت شعوبٌ أخرى تعيش مكانه في ما يسمى الآن نيوزيلاند واستراليا، وأنّهم لم يكونوا لا أوروبيين ولا بيضاً، إلى أن جاء أجداده وقتلوا كل من عليها وسمّوا البلاد بأسمائهم، حينها حصل «الاستبدال الكبير الحقيقي»، وأنّ الأمر نفسه حصل في أمريكا الشماليّة، وبدرجةٍ أقل في أمريكا الجنوبيّة وجنوب إفريقيا، وبعض شمال أفريقيا وفلسطين.
لقد اعتادت أوروبا على النظر للعالم خارجها كمصدرٍ للمواد الخام والأيدي العاملة الرخيصة، وكـ«أراضٍ بلا شعب، لشعبٍ بلا أرض» تصدر إليها مشاكلها، فالكيان الصهيوني مثلاً ما هو إلا نموذج لأسلوب تصدير الأزمات والتناقضات الداخلية الأوروبية إلى خارج القارة، حيث تم حل ما كان يسمى في أوروبا بـ"المسألة اليهودية" عبر إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، ليحلوا مكان أهلها الأصليين.
وما ظاهرة صعود اليمين المتطرف المعادي للمهاجرين الملونين بشكل عام، والمسلمين منهم بشكل خاص، إلا استمرار لذلك السياق التاريخي المستمر منذ قرون، حيث يتم تحميل المهاجرين اليوم مسؤولية ما نتج عن السياسات النيوليبرالية التي انتهجتها الحكومات الغربية، من نتائج اقتصادية مدمرة، هبطت بمستوى حياة الطبقات الوسطى والعاملة في المجتمعات الغربية، فبدلاً من توجه شحنة الغضب الشعبي نحو النخبة الرأسمالية الحاكمة، تبرع تلك الطبقة عبر وسائل الإعلام التي تسيطر عليها، في إعادة توجيه شحنة النقمة تلك، نحو المهاجرين المسلمين.
وفي السياق ذاته اعتبرت الحكومات الأوروبية الحرب في سوريا، فرصةً ملائمة لتصدير فائض المتطرفين لديها من حملة الأفكار الأخوانية والوهابية، والذين قدمت لهم العواصم الأوروبية فرص اللجوء والجنسيات منذ عقود، بهدف استخدامهم كأوراق ضغط لابتزاز تنازلاتٍ من الحكومات العربية، كما سبق أن اعترفت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "هيلاري كلينتون" في شهادتها أمام الكونغرس عام 2014، بأن بلادها استفادت من أمثال أؤلئك المتطرفين في مواجهة الجيش الأحمر السوفيتي في أفغانستان، قبل أن ينقلب السحر على السحر، ويضرب الوحش القاعدي في واشنطن ونيويورك ولندن ومدريد وباريس.
لكن الوقائع أثبت هذه المرة أن الحسابات الأورومركزية لم تعد تناسب ظروف عالم اليوم، الذي حولته ثورة الاتصالات إلى قرية صغيرة، بحيث صار من غير الممكن تصعيد التوتر الطائفي والعنف الإرهابي في جزءٍ منه، دون أن يؤدي ذلك إلى تنامي مثل هذه التوترات والصراعات في باقي أجزائه، فبينما تخلصت أوروبا من قسم من المتطرفين الحاملين لجنسيتها عبر تسهيل سفرهم إلى سوريا، أدت الحرب السورية إلى صعود الحركات المتطرفة، وتنامي مشاعر الكراهية على أساس ديني، في أوروبا نفسها، خصوصا مع ظهور داعش التي وجدت في ضواحي المدن الأوروبية ذات الأغلبية المسلمية، بيئة ملائمة لنشر أفكارها المتطرفة، نظراً لما يعانيه أبناء تلك الضواحي من نظرة دونية في المجتمعات التي يعيشون فيها.
المصدر: خاص
شارك المقال: