بين تصريحات حكومية وردية وواقع معيشي أسود
نسرين علاء الدين
لم يتغير المشهد العام كثيرا في معظم المدن والقرى السورية، فطوابير الانتظار على محال توزيع الغاز لم تحتفِ والتيار الكهربائي لم ينتظم بعد وحليب الأطفال بدأ يثبت وجوده على رفوف الصيدليات، لكن سعر مبيعه متفاوت. ولا تزال روائح حرق البلاستيك والحطب تنبعث من مداخن منازل السوريين.
تحاول أم سلمان أن تزرع ضحكة باهتة على وجهها عندما أخبرتها بتصريحات المسؤولين التي تؤكد أن أزمة الغاز قد حلت في دمشق وريفها، لتقول : إذا حلت الأزمة لماذا انتظر أمام محل توزيع الغاز منذ السابعة صباحا حتى التاسعة وخلفي طابور طويل من الناس ولم يحصل أحد على جرة غاز. أم سلمان (54سنة) من سكان جديدة عرطوز أم لثلاثة أطفال فقدت زوجها ومنزلها في الحرب، لا تملك سوى جرة غاز واحدة تطبخ عليها وتسخن الماء بواسطتها من أجل الاستحمام. وتضيف نملك حصيرة كهرباء نقوم بوصلها على الكهرباء ونجلس جميعنا تحت "الحرام" كي نبقى دافئين. لكن الكهرباء في حينا لا تأتي خلال النهار أكثر من ثلاث ساعات فكيف حلت الأزمة وكيف سنشعر بالدفء؟!.
فلافل...فلافل
توقف عدد من المحال في بعض المدن السورية عن العمل وخاصة المحال التي تقدم سلع تعتمد على الغاز أو المازوت كمحال الفطائر والفلافل والخبز. فيما اختصر عدد من العائلات السورية وجباتهم اليومية إلى وجبة واحدة بعد أن تم إلغاء الطبخ من قوائمهم وتحولوا للطعام الجاهز وغالباً ما يكون فلافل أو معلبات. أمجد عزام موظف هو وزوجته ولديهم أربعة أطفال، يقول: أقبض مع زوجتي ما مجموعه 90 ألف ليرة سورية شهريا أدفع إيجار المنزل أربعين ألفاً وعدد من الفواتير. دون ثمن الطعام واللباس لذلك من المستحيل أن أشتري جرة غاز بـ6000 ليرة.
ويتابع.. لا أفهم تصريحات مسؤولينا حول الأزمات التي أكاد أجزم أنها غير حقيقية، فكيف يتوفر الغاز والمازوت لدى بعض الباعة ولا يكون متوفر لدى المؤسسات الحكومية! ثم لماذا نقع كل عام بنفس الأزمات؟!
الأرقام شيء والواقع شيء آخر!
تحدث وزير النفط علي غانم بحسب حساب رئاسة مجلس الوزراء على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) بداية شهر تشرين الثاني من عام 2018 عن المخازين الصفرية للمشتقات النفطية، التي أدت سابقاً إلى الاختناق في الحصول على الوقود بالبلاد، قائلا:
"لم نكن قادرين على البوح بهذه الحالة التي كنا نمر بها، فقد كانت تُشكّل تحدياً قاسياً للحكومة، ولكننا اليوم وبعد عام ونصف، قادرون أن نتكلم عنها، فمع بداية تشكيل الحكومة، كانت المخازين متدنية، وكانت هناك مساعٍ لتعزيزها، ولكن المفاجأة الأكبر تمثّلت بانقطاع التوريدات، ونتيجة ظروف الحرب وخروج أغلب المنشآت النفطية بتلك الفترة، تدنى الناتج النفطي إلى حدود كبيرة جدا، حيث كنا ننتج 385 ألف برميل من النفط يوميا، وكنا نصدّر، فصرنا نستورد، وأصبحنا بحاجة إلى استيراد حاجتنا النفطية فعلياً، وللأسف مع نهاية 2016 وبداية 2017 انقطعت التوريدات النفطية، وتعثرت كل العقود المبرمة مع سوريا، نتيجة العقوبات الاقتصادية، التي نُفذَّت بأقصى حدودها، ومع انقطاع الوقود تدنت المخازين للحدود الصفرية، ولكن الإجراءات التي اتخذت كانت فنية ومبتكرة من عمالنا، وهذا أدى إلى تأمين خمسين مليون لتر من المازوت، و 18 مليون لتر من البنزين، و 24 الف طن من الفيول".
وتابع الوزير غانم "بعد ذلك عادت التوريدات كما كانت واستطعنا أن نعزز المخازين من خلال زيادة عمليات الحفر وعمليات الإنتاج، ما أدى إلى واقع مستقر في المشتقات النفطية والمخازين، وكان هناك خطة من قبل الحكومة في العقود طويلة الأجل، والنوعية، والتبادلية، فانعكس ذلك على الواقع بشكلٍ كان واضحاً".
في الواقع التصريحات الأخيرة للمسؤولين السوريين كانت تتحدث عن تأخر تفريغ باخرة محملة بالغاز مما أدى إلى أزمة خانقة. وهذا يعاكس تصريحات وزير النفط والثروة المعدنية عن تحسن الأوضاع.
واقع واضح
يحاول جميل أن يؤمن لأطفاله (20) ليتر من المازوت بعد أن يأس من انتظار دوره في توزيع المازوت. ويقول: أنا أكره الشتاء ولا اتمنى أن يأتي فمنذ بداية الشهر وأنا أحاول أن أقوم بتعبئة الـ (200 ليتر) المخصصة لنا كعائلة لكن الموزع في كل مرة يقول لي دوركم لم يحن بعد، وربما يلحقنا الدور في شهر شباط. ويضيف ماذا أستفيد من المازوت بعد شهر كانون؟، وأنا لا أملك النقود الكافية لشرائه من السوق السوداء بعد أن وصل سعر الليتر إلى 350 ليرة سورية.
حلول إسعافيه ولا خطط حقيقية!
تقول د. نسرين زريق لجريدتنا أنه يوجد عدد من الأسباب التي أدت إلى تفاقم سوء الوضع الاقتصادي في سوريا، أبرزها أن الفريق الاقتصادي الحكومي يقوم بمعالجة المشاكل بعد وقوعها بحلول إسعافيه لتغطية المشكلة دون العمل على إيجاد حل جذري لها. فالحكومة تعالج عوارض المشكلة معالجة مؤقتة حيث تقوم باستيراد المنتج دون معالجة الخلل أو المرض الأساسي، الذي هو خلل إنتاجي متمثل بضعف الصناعة الطاقية المولدة لحاجة المواطن. وتتابع زريق أن ضعف الصناعة يبدأ من مصانع الغاز المنزلي التي تحتاج إلى زيادة عددها، مضيفةً "لا يمكن توجيه الحلول الاقتصادية إلى تخفيض الطلب أو تقليل استهلاك المواطنين للمادة. حيث لا يوجد سوق في العالم يعتمد على تقليل مبيعاته بهدف أن توائم الإنتاج القليل، وهذا ما يتم اتباعه في مويضوع الكهرباء خصوصاً، إذ أن المواطن السوري وبحسب آخر الإحصائيات تبين أنه أقل أفراد العالم استهلاكا للكهرباء حيث يستهلك (779ك.واط) في الساعة و يقوم بنفسه بترشيد الكهرباء وتقليل استهلاكها.
وعن الحلول الاقتصادية الممكنة، تقول زريق: "إن النقص الحاصل اليوم في مواد الطاقة هو إما بسبب تصدير المواد بشكلها الخام وإعادة استيرادها مُصنّعة بسبب خلل صناعي. أو بسبب عدم توفير قطع صيانة لمصفاة النفط أو معامل الإنتاج". مؤكدة أنه "لا يوجد لدينا خطط بعيدة الأمد وذلك بسبب سوء الإدارة الاقتصادية وليس بسبب العقوبات الاقتصادية وحدها، حيث لا يوجد توجيه للمستثمرين لبناء مصانع إنتاج الغاز المنزلي مثلا ولو بعقود تشاركية أوعن طريق إيجاد قطاع مشترك من أجل تصنيع حاجة المواطنين وتصدير الفائض وهنا نتحول إلى مصدرين".
وتتابع زريق "نحن استطعنا رغم الحرب التحالف مع أقوى دول العالم من حيث البترول والغاز وهذه الدول لم تقاطعنا وكانت تزودنا بالنفط والغاز والسلاح وحليب الاطفال طيلة فترة الحرب".
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: