Saturday April 19, 2025     
00
:
00
:
00
  • Street journal

ضبابية الاصطفافات في الشمال السوري

ضبابية الاصطفافات في الشمال السوري

محمد نادر العمري

من واضح أن "الجيش السوري" سيواصل من تصعد عملياته العسكرية في "ريف حماة" الشمالي لإسقاط المدن الجنوبية من "إدلب"، حيث حررت أول أمس والأمس عدة بلدات استراتيجية وأشرفت على بلدتي "كفرزيتا" و"اللطامنة" في عمق محور القتال، مع استمرار الاستهداف الجوي لمواقع "النصرة" في أرياف "حماة" و"إدلب"، حيث أطلقت الحكومة السورية عمليتها العسكرية لتحرير ما تبقى من الشمال السوري تحت سيطرة الجماعات المسلحة في شهر  أيار الماضي، بعد تعزيزات جرارة وإمدادات عسكرية كبيرة، كانت نتيجة حتمية بعد انسداد الأفق السياسي.

ويبدو أن "الجيش السوري" يهدف من انهيار المجموعات المسلحة تحقيق عدة نقاط، أولها استعاد الطرق الدولية الواصلة بين "حلب" و"اللاذقية" و"دمشق" والمعروفة بأسم (أم 4 وأم 5)، والضغط على "تركيا" لتنفيذ اتفاق "سوتشي"، بالتوازي مع توجه الأخيرة للتركيز على "شرق الفرات" الأمر الذي سيؤدي إلى سحب نقاطها وبخاصة أن المدى المنظور هو إما تصعيد تركي أمريكي ضد "الجيش السوري" في جبهات القتال في حال اتفقت "واشنطن" و"أنقرة" على "شرق الفرات"، أو تفاهم روسي تركي يؤدي إلى تراجع المسلحين 20 كم مع بقاء التنسيق بالدوريات الروسية التركية.

فـ"تركيا" اليوم تركيزها ينحصر نحو محاربة الفصائل الكردية "شرق الفرات"، وبالتالي ترك ساحة الاشتباك في "إدلب" أمام ما يمكن توصيفه بالإعصار السوري الروسي، وبخاصة بعد "مضى أكثر من عام على اتفاق "سوتشي"، وبدء نشرالنقاط التركية الـ12 والتي كانت مهمتها الإشراف على عملية انسحاب الفصائل المسلحة من المنطقة المتفق عليها في "سوتشي" تمهيداً لعملية تطبيع تدريجية تؤدي الى دخول مؤسسات الدولة السورية المدنية والخدمية تدريجياً وتطبيق وتهدئة وتسوية أوضاع المسلحين والمدنيين الذين يحملون في صحيفتهم مخالفات وجرائم.

ولكن "تركيا" التي تنصلت من التزاماتها ونكست بوعودعا لم تكتفي بذلك، بل ضاعفت حجم إمداداتها ودعمها للتنظيمات المسلحة وأمنت لها مسرح عمليات مريح وآمن لمعاودة هجماتها على "الجيش" والمناطق الآمنة.. اليوم تبدل الموقف و"تركيا" أخذت ما تحتاجه وأكثر لتحديد خياراتها في موائمة العلاقة بين "روسيا" و"الولايات المتحدة"، والتلاعب بين المكاسب التي ستجنيها من الطرفين لكن الافتراق أقرب اليوم مع "واشنطن" وفشل الاتفاق على المنطقة الآمنة سيجرف "تركيا" إلى ضفة "روسيا"، وخاصة أنها أنهت استعداداتها لبدء عمليتها المنتظرة في "شرق الفرات"، وهذا يعني حكما تحول الأولويات إلى الشمال الشرقي وترك أدواتها في "إدلب" يواجهون الإعصار السوري الروسي.

فالواضح أن فشل المجموعات المسلحة في تحقيق أي مكسب رغم المهل الممنوحة لهم من قبل تركيا والضغط التركي على الفصائل المحلية لتكون رأس الحربة في عملية شمال "شرق الفرات"، سيؤدي إلى إلغاء دور نقاط المراقبة وعدم جدوى استمرار تواجدها، وبالتالي قد تنسحب أو قد تبقى بدون فاعلية مع الحرص السوري على عدم استهدافها بل حصارها للضغط على "تركيا".

بينما لو نجح التنسيق والعملية الأمريكية التركية المشتركة حول "شرق الفرات" فإن الاتجاه سيكون نحو المزيد من الضغط على الحكومة السورية في إدلب عسكرياً، وقد يكون هناك هجوم مضاد، وإذا لم ينجح التنسيق الأمريكي التركي فسيكون التنسيق بين روسيا وتركيا ضد أمريكا وبهذه الحالة ستطبق تركيا "اتفاق أستانا"، بسحب القوات عشرين كيلو بدون تقدم للجيش السوري والإبقاء على نقاط المراقبة التركية وتسيير دوريات مشتركة تركية روسية.

فبالنسبة لـ"تركيا" فإن إطلاق عمليتها شرق الفرات تمثل أولوية أولى لـ"أنقرة"، بداعي تخفيف الضغط الناجم عن ازدياد عدد اللاجئين السوريين في الداخل التركي، ورغبة الحكومة التركية بضخهم إلى الشمال السوري لإنشاء حزام بشري عازل على طول الحدود السورية التركية، لمنع المنطقة الشمالية الشرقية في سوريا من التحول لمنطقة آمنة لحزب الكردستان العمالي في حربه مع الجيش التركي، أي أن كل من أنقرة وحزب العمال الكردستاني في سباق لتجعل شمال شرق سوريا منطقة آمنه لصالح، هذه المخاوف تتفهمها كل من واشنطن وموسكو، بل في الحقيقة تحولت إلى نقطة للتجاذب من قبل أمريكا وروسيا.

وفي حين أن إطلاق عملية عسكرية شرق الفرات على طول الحدود سيتطلب الكثير من القوات، والتي سيتم سحبها من جبهة إدلب التي تضغط عليها عمليات الجيش السوري بقوة، إلا أن المسارعة الأمريكية للتنسيق حول هذه العملية مع أنقرة والتوصل مؤخراً إلى اتفاق ثنائي بهذا الشأن، هدفه حرمان الحكومة السورية من فرصة مهمة في تخفيف الضغط القادم من جبهة إدلب وتسريع وتيرة تحرير الأراضي من سيطرة المجموعات التركية، وحرم موسكو من الدخول على خط الأزمة واختراق حاجز النهر في شرق سورية، بالتالي في حال نجاح التنسيق الأمريكي التركي حول المنطقة الآمنة، فهذا سيؤدي بالضرورة إلى إطلاق هجوم واسع ومنسق من قبل الطرفين في إدلب ضد كل الحلف الروسي السوري، بالتزامن مع ممارسة الضغط الأممي على الحكومة السورية، أما في حال فشل الجهود الأمريكية في احتواء تركيا، فستكون الفرصة سانحة أمام روسيا لاختراق النهر، وأمام الحكومة السورية بتحصيل تنازلات كبيرة من تركيا أقلها في التطبيق الفعلي لاتفاق أستانا بحسب المجموعات المسلحة 20كم عن خط الاشتباك.

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: