معاملات الدوائر الحكومية بين ثقافة الشكاوي وفلسفة "السكاكر"

خاص - كريم مهند شمس
تُركت معاملة "عبدو" معلقة في الهواء، تماماً كطموحه بإنهاء مجموعة الأوراق التي ستكفل له رحلة يسيرة لبلاد آخرى يرسل منها بعض الحوالات لأهله هنا.
كان يتمنى أن تنتهي دوامة المراجعات في أزقة الدوائر الحكومية هذا الشهر أو خلال الأشهر الثلاثة القادمة على الأقل، لعله لا يشيب بين ذلك الديوان وتلك النافذة، ولكن موظف ما أضاف لقائمة "عبدو" إجراء آخر جديد لم يسبق له وأن سمع به.
ولأن هناك من اعتاد على ذلك "التكنيك" الغريب في طلب الرشوة، أصبح الشاب الثلاثيني مرتاباً حول حقيقة ذلك الإجراء الذي طُلب منه، أهو ضروري فعلاً، أم أن الموظف يعتمد على ذكاء المواطن وقدرته على قراءة ما بين السطور ليمرر له "سكرة" سحرية تجعل المعاملة تُنجز بلمح البصر.
ونظراً لخبرته القليلة في مجال استخراج التواقيع والأختام من الدوائر الرسمية، قرر "عبدو" ترك كل شيء على حاله والعودة لمنزله والتمعن قليلاً بتلك الإشكالية التي استجدت ولم يحسب حسابها، وهناك استنتج تعرضه للخداع من الموظف "المهضوم" الذي طلب منه ورقة غير موجودة.
قرر "عبدو" آنذاك التقدم بشكوى لمدير ذلك الموظف، ورغم جهله التام "بثقافة الشكاوي" التي يتغنى بها المسؤولون دوماً ويطالبون الشعب بامتلاكها ليحدّوا من تقصير الموظفين، بدء بالفعل بمعاملة الشكوى التي ما لبث أن شعر أنها تحتاج جهداً يفوق ما تحتاجه معاملته الأساسية التي بدء الأمر عندها.
ولذلك تخلى عن الفكرة وعاد لمكتب الموظف متأسفاً وحاملاً ثلاث "سكرات" بدل الواحدة، وقاطعاً على نفسه وعداً بألا يعود من السفر قبل أن يمتلك ما يكفي من "السكاكر" لإنجاز معاملاته ومعاملات أبنائه وأحفاده حتى، عسى ألا يمروا بتجربته تلك، لاقتناعه أخيراً بأن الشكوى لفير الله مذلة.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: