Saturday April 19, 2025     
00
:
00
:
00
  • Street journal

عندما يأكل "مبدعونا" أكماماً بأنفسهم

عندما يأكل "مبدعونا" أكماماً بأنفسهم

بديع صنيج 

لا أدري ما السبب الذي جعل الكثير من "مُبدعينا" يأكلون "كُمَّاً" بأنفسهم، بعدما أصبحوا أشبه بـ"مكبَس البلوك"، كل ما يصدر عنهم لصيق الشبه ببعضه، لدرجة أن لوحاتهم أو قصائدهم أو أفلامهم... باتت مُحدَّدة بقالب جامد نستغرب معه كيف لم يكرهوا أنفسهم من التأطُّر فيه كل هذا الزمن.

ورغم اقتناعنا بالقانون الفيزيائي القائل بأن على "الكَمّ" مع تراكم التجربة ومرور الزمن أن يتحوَّل إلى "كيف"، إلا أن ما نلاحظه، وبات لا يترك مجالاً للشك، من أن "الكَمّ" بقي كمّاً عند الكثيرين، بل زد عن ذلك أنه بات مدعاةً للمُفاخرة "الفارغة" بأن نِتاج ذاك الفنان أو تلك المُبدعة بات أقرب إلى البصمة الخاصة التي ستُميِّزها عن غيرها من البصمات بمُجرَّد أن تلمحها، متناسين أن "بيكاسو" (عليه السلام) لم يركن إلى أسلوبية واحدة بل بقي يخوض في تجريبيته عبر الكثير من المراحل ليصنع "اسمه" من دون أن يكرر ذاته، مثله مثل "محمد القصبجي" (قدَّس الله سرَّه) الذي لا نستطيع أن نتخيل لحنين له فيهما أدنى شبه، وبلا أدنى جهد بحثي إبداعي في ابتكار المُغايرة عن الآخرين وعن الذات، رغم أن روحه واضحة في كل ما أبدعه، والأمثلة كثيرة جداً. لكن ما يقوم به "آكلو الأكمام بأنفسهم"، وأقصد "مبدعينا"، لا كثَّرَ الله من "بلوكاتهم" ومن غزارة إنتاجهم المُتكرِّر حدّ الإعياء، هو إعادة إنتاج أنفسهم بطريقة مَرَضية، أطلق عليها النُّقاد الفرنسيون تسمية "La masturbation"، بمعنى الاستمناء الفني والفكري والإبداعي، حيث أن تلك النوعية من الفنانين حَكَمَت على نفسها بتقويض الطاقة الإبداعية الخلاقة، عبر تكرار مقيت لتجاربهم التي سبق أن مارسوها مئات المرات، والأنكى عندما تُناقشهم في ذلك ينتفضون ويرتعدون ويزبدون، وكأن الله خلقهم وخلق أسلوبيتهم الفريدة ثم كسر القالب، لذلك يتوقعون أن المتلقين لفنهم وإبداعهم سيتمسَّكون بذاك "القالب المكسور"، وتلك "الأسطوانة المشروخة" آلاف الشروخ، ولو وقف أولئك "المبدعون" على عتبات أنفسهم غير قادرين على تجاوزها وتحقيق نقلة في تطور تجاربهم، فما بات مؤكداً أن لا مخاض حقيقياً لديهم، أو لِنَقُلْ لا يمتلكون همَّاً صادقاً في الارتقاء بالذات وتطوير إنتاجاتها، لدرجة باتت معها العملية الإبداعية "المفترضة" أشبه بـ"مَكْبَسْ البلوك"، واحد يكبس لوحات، وآخر قصائد وثالث مسرحيات ورابع روايات… والأنكى أنه في بعض الحالات تكون "البلوكة" الأولى، أقصد باكورة الإنتاج الإبداعي، أفضل بكثير من التي بعدها، أي أن ثمّة انخفاضاً بالمواصفات القياسية ومعدّلات الجودة، بمعنى أن الآية معكوسة تماماً، خاصة عندما يتحول الموضوع إلى سباق في زيادة عدد "البلوكات" الإبداعية، من أجل تحقيق هامش أعلى من أرباح تجارة تلك "البضاعة الثَّقافية"، ولو انحدر مستواها إلى النوع العاشر أو حتى السادس والعشرين، فليس جديراً بالاهتمام الارتقاء بالتجربة أو تقديم الأفضل، وإنما أن يظلّ معمل "البلوك" شغَّالاً، حتى لو أدَّى ذلك إلى فناء الغنم كلُّه، المهم أن يبقى "الدِّيب" حيَّاً ومُنَعَّماً بالرخاء، ويدقّ على صدره قائلاً لكلّ "شغِّيلته": "ديبك"!

 

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: