سوريون كبار على مقاعد الدراسة وتعلم الواتس أب والتعليم العالي طموحهم
عمار الشبلي- نورس علي- فاروق المضحي
تحاول "فاطمة" أن تنهي أعمالها المنزلية على عَجَل للالتحاق بصفوف "تعليم الكبار" في مدرسة بلدة "دبسي عفنان" في ريف الرقة الغربي، بلوغها سن الأربعين لم يمنعها من الجلوس على مقاعد الدراسة لمحو أميتها، التي شعرت بها للمرة الأولى أثناء سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي على الرقة. تقول فاطمة: أثناء سيطرة التنظيم الإرهابي على المنطقة وفرض قوانينه الصارمة التي تودي بنا لحتفنا في حال مخالفتها، فالتزمنا بيوتنا لتحاشي عناصر التنظيم وعيونه، حينها تمنيت لو أنني أستطيع القراءة لتعليم أطفالي الذين حرموا من التعليم، لأن الأمهات المتعلمات تَابعْنَ تعليم أطفالهن، ولم يضطررن لإرسالهم لمدارس "التنظيم" وحلقاته المشبوهة.
أبناء "فاطمة" الثلاثة التحقوا اليوم بصفوفهم بعد دحر "التنظيم" وعودة الحياة إلى طبيعتها، ويتلقون تعليمهم وفق مستويات وفئات تعليمية تناسب أعمارهم وفترات انقطاعهم عن المدرسة. تقول "فاطمة": تعلمت الأحرف اليوم واستطعت قراءة الكلمات البسيطة وكتابتها في صفوف تعليم الكبار.
حال أمينة، 14 عاماً مختلف تماماً، فهي الأصغر سناً في مدرسة تعليم الكبار. تعتبر نفسها الأكثر حظاً والأسرع تعلما. تقول أمينة: دخلت المدرسة متأخرة، لأني يتيمة وعندي أخوة أصغر مني، كان لازم أهتم فيهم، وقبل أن أتعلم، بدأت الحرب وأغلقت المدارس أبوابها ولزمنا منازلنا. تتابع أمينة «كل فترة سيطرة "الدواعش" على المنطقة كان لدي كتبي التي استلمتها من المدرسة، أفتحها أتفرج على الصور وأغلقها، كان عندي إحساس أنه سيأتي يوم وأقرأ من جديد.
بعد طرد "تنظيم داعش" كان أمام "أمينة" خيارين، الالتحاق بالمدرسة الابتدائية في قريتها أو بصفوف تعليم الكبار، لكنها فضّلت الخيار الثاني، اختصاراً للوقت: «أنا ما بدي أتعلم القراءة والكتابة فقط، لأن بدي آخذ شهادة، وشهادة تعليم الكبار بعد سنة بقدر قدم لشهادة التعليم الأساسي من خلالها، أما بالمدرسة بدي خمس سنوات لأوصل لمرحلة التاسع» والحديث لـ"أمينة".
مدير دائرة تعليم الكبار بالرقة عبد الحميد الخلف" قال لـ"جريدتنا" «يحق للمستفيد من برنامج تعليم الكبار الذي تقيمه وزارة الثقافة بالتقدم لامتحانات شهادة التعليم الأساسي في حال اجتاز المرحلة الثانية من الدورة ونجح بالاختبار النهائي، حينها يُمنح وثيقة تُعادل شهادة الابتدائية سابقاً والتي تخوله التقدم لامتحانات شهادة التعليم الأساسي».
أتعلم من أجل الواتس أب
هذا الأمر لا يعني "سارة" كثيراً لأنها التحقت بصفوف تعليم الكبار لأجل "مواقع التواصل الاجتماعي" فقط، ولا تهتم بالشهادة بتاتاً «أنا بدي بس أعرف أقرأ وأكتب حتى أقدر أراسل زوجي العامل في لبنان عن طريق "واتس أب" لأن خصوصية التراسل بين الزوجين لا تخدمها "المقاطع الصوتية" وكمان بدي أعرف شو عم يصير بالعالم، لأن عم يقولو كل شيء يصير بالعالم نلاقيه بالـ" فيسبوك" والانترنت» والحديث لـ"سارة 35 عاماً" التي التحقت بصفوف تعليم الكبار منذ اليوم الأول بتشجيع من زوجها «قبل ما تبدأ صفوف تعليم الكبار خبرني زوجي انو لازم ابحث عن معلم يعلمني القراءة و الكتابة، بس الحمد لله اجتنا الدورات رحمة من الله.
ويقول "عبد الحميد الخلف" لـ"جريدتنا" «مواكبة التطور التكنولوجي، وارتباط معظم مفاصل الحياة حتى بالريف "بالتكنولوجيا" ألحت على الكثيرين الالتحاق بالتعليم. وأضاف "الخلف" «عدد الملتحقين في زيادة يومية، حيث أننا افتتحنا صفاً واحداً في البداية بـ50 طالب في الريف الشرقي، والعدد اليوم تجاوز الألف طالب» عدد من معلمي الصفوف أبدوا تعاونهم وبشكل تطوعي في البداية لكنهم تراجعوا عن طوعيتهم عندما علموا بأن الوزارة صرفت لهم رواتب لم تصلهم حتى الآن، ولا يخفَ على أحد بأن الطلاب بحاجة لدفاتر وكتب ووسائل تعليم تناسب أعمارهم وطرق تعليمهم، إلا أن شيء من ذلك لم يصلهم بعد.
العديد ممن التقتهم جريدتنا أكدوا أنهم تلقوا وعوداً من دائرة تعليم الكبار بمعونة مالية وغذائية، حتى أنه يوجد فتاة تحمل شهادة تعليم أساسي انضمت للدورة من أجل المعونة لكن أحداً لم يستلم شيء من تلك المعونات.
من السجن المركزي إلى 400 متعلم
بعد انقطاع دام طيلة سنوات الحرب تعاود مراكز تعليم الكبار نشاطاتها في دير الزور والبداية كانت خجولة عبر إقامة دورتين بالسجن المركزي وخضع لها عدد من السجناء.
ومن ثم بدأت مديرية الثقافة خطوات جدية لتفعيل مراكز تعليم الكبار وافتتحت سبعة مراكز توزعت على كافة مناطق الريف ويخضع حاليا للدورات المقامة في المحافظة أكثر من ٤٠٠ متعلم.
ولقد التقت جريدتنا هبة التي دخلت عامها الـ٣٧، تقول: بعد انقطاعي عن التعليم لفترة معينة بسبب ظروفي العائلية وظروف البلد عدت اليوم إلى مقاعد الدراسة عبر تعليم الكبار كي أتمكن من القراءة والكتابة.
فيما يقول سعيد وعمره ٢٦ عام أنا اليوم في المرحلة الجامعية قسم علم اجتماع وتجربة تعليم الكبار هي من فتحت أبواب العلم في طريقي فبعد أن تمكنت من القراءة والكتابة جيدا تقدمت لفحص التعليم الأساسي ومن ثم تقدمت لفحص الشهادة الثانوية وانت اليوم في الجامعة.
وذكر رئيس دائرة تعليم الكبار في مديرية الثقافة "حمد حسين الخضر " في حديثه لجريدتنا: أن الدائرة تقوم بدوراتها بشكل دوري في سجن دير الزور المركزي، وبعد أن تم تحرير ريف المحافظة وعودة الأهالي إلى منازلهم قمنا بتفعيل العمل وافتتاح دورات في معظم المراكز والتي بلغ عددها سبعة مراكز موزعة على كامل مناطق الريف وكانت معظم الدورات انطلقت بداية الشهر الحالي وتحوي كل شعبة صفية عدداً يتراوح بين ١٥ و٢٥ طالباً، علما أن العمر للطلاب هو من ١٥سنة إلى ٤٥ عام ولكن نحن نستقبل كل من لديه الرغبة في التعليم وكان لدينا أشخاص من أعمار متقدمة خضعت لعملية التعليم ونجحت في الموضوع .
ويتابع "الخضر" نعمل على تأمين كافة مستلزمات العملية التعليمية وتوفيرها لتحفيز الطلاب الإقدام على التعليم ولا يوجد لدينا مشكلة مع أحد المهم أن يكون لدى المتعلم قابلية للتعليم ولا مشكلة في العمر.
طرطوس خالية ولكن...
لم يكترث "سامر40 سنة " لنظرة المجتمع له باتباعه دورة محو أمية، لأن ما عاشه من حياة سابقاً كان كفيل لدفعه لخطوة جريئة في هذا العمر لتحسين قدراته التعليمية، رغم أنه يدير عملاً تجارياً ناجحاً ومربحاً دون أن يجيد القراءة والكتابة، فهو لم يكترث لهذه النظرة التي يعتبرها فارغة وغير ذات جدوى، وإنما المهم أن يرضى هو عن ذاته بحسب حديثه لجريدتنا، وهذا دفعه لإتباع الدورة. ويقول: تبقى نظرة المجتمع لمتبعي دورات محو الأمية من الكبار في العمر نظرة قاصرة وموجعة وذات تأثير سلبي، لأنها قد تمنع من هو بحاجة لهذا الدورات من إتباعها، ولكن الفائز هو من يواجه هذه النظرة بالنتائج الإيجابية التي يحققها.
طرطوس وبحسب القائمين عليها قد أعلنت في عام 2011 محافظة خالية من الأمية، أي أن حتى المتقدمين بالعمر يجيدون القراءة والكتابة بفضل افتتاح ما يزيد عن خمسين صف دراسي منذ عام 2011 وحتى نهاية العام 2018، وقد بلغ عدد المتقدمين لدورات محو الأمية عبر دائرة تعليم الكبار والتنمية الثقافية بمستواها الأول حوالي 917 دارساً. تقدم منهم للامتحان حوالي 746 ونجح حوالي 744، بحسب حديث رئيسة الدائرة في "طرطوس" "ريم محمود". التي قالت لجريدتنا: كان الفارق كبيراً بين المتقدمين والمتحررين بالمستوى الأول، ولكن في المستوى الثاني تقلص الفرق بين أعداد المتقدمين والمتحررين، حيث بلغ عدد الملتحقين بدورات التمكين الأبجدي والرقمي حوالي 4322 والمتقدم منهم للاختبارات 3997 والمتحررين منهم 3932. وتابعت "ريم محمود" رئيسة الدائرة: التوجه نحو المفهوم الأشمل لتعليم الكبار وتنمية مهاراتهم فيما بعد التخلص من أميتهم الأبجدية كان هدفاً أساسياً بالنسبة لنا، وذلك من خلال محو أميتهم الرقمية عبر دورات حاسب متنوعة، ودورات تنمية مهارات تنموية تخصصية، وكذلك تنمية الخبرات والمعارف عبر دورات تخصصية في مجال صيانة الحاسب والجوال مثلاً، أو دورة إدارة مشاريع تنموية صغيرة، أو أي دورات تكون حاجة في المجتمع، حيث يكون هدفنا الكبار في العمر ما بين سن 14 عام وحتى 45 عام. كما أن أي متقدم على وظيفة رسمية يجب أن يحصل على ورقة خاصة من دائرتنا تفيد بأنه يجيد القراءة والكتابة.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: