هل يجرؤ الأجير على عصيان أوامر مستخدمه؟
فارس الجيرودي
«لسنا عبيدا !!!»
هكذا علق أردوغان على تحذيرات الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، ومن بعده تحذيرات البنتاغون لتركيا، من عواقب إتمام الصفقة مع روسيا بشأن استيراد منظومة الـ"إس 400" الدفاعية.
وكان أردوغان نفسه، قد خط مقالاً في مجلة "النيويورك تايمز" في آب 2018، يعدد فيه الخدمات التي قدمتها تركيا للولايات المتحدة في حروبها حول العالم خلال السبعين عاماً الماضية، من الحرب الكورية إلى حرب أفغانستان، مقال أردوغان يومها جاء رداً على تغريدات ترامب المهينة على موقع "تويتر"، والتي أدت لانهيار سعر صرف الليرة التركية، إثر تهديده بخنق الاقتصاد التركي، ما أسفر عنه في النهاية خضوع تركيا لمطالب واشنطن، والإفراج عن القس الأمريكي "أندرو برونسون" المتهم بالمشاركة في التآمر لتنفيذ الانقلاب ضد أردوغان في العام 2016.
كما أعاد ترامب الكرّة ثانيةً، وعبر "توتير"، إثر رفض أردوغان استقبال مستشاره للأمن القومي "بولتون" بسبب تصريحاته المحذّرة لتركيا من عمليةٍ ضد الأكراد شرق الفرات، خلال زيارته الأخيرة لأنقرة، حيث أجبرت تهديدات ترامب التويترية الرئيس التركي على الاتصال به.
لذلك جميل ورائع ومعبر ما توصل إليه أردوغان أخيراً من توصيفٍ لطبيعة علاقة تركيا بحلف الناتو الذي يقوده السيد الامريكي، فهذه العلاقة لا تخرج عن سياق العبودية الطوعية، والاستخدام الوظيفي من قبل الولايات المتحدة للدولة التركية، التي كان آخر ما قدمته من خدمات للمخططات الغربية في منطقتنا، مساندتها لمشروع الجماعات المتطرفة التخريبي على الأرض السورية، والذي كان من المخطط له أن يحول منطقتنا إلى مجموعة إمارات سلفية وإثنية متقاتلة تستعين بإسرائيل ضد بعضها.
ولم تكن تركيا نفسها «لو انتصرت الجماعات المسلحة وسقطت الدولة السورية» ستسستثنى من مشروع «الفوضى الخلاقة» الأمريكي، على الرغم مما أغويت به قيادتها من أحلام استعادة «الامبراطورية العثمانية»، ولعل هذا ما أدركه أردوغان بعد رفض الإدراة الأمريكية تغطية دخول قواته إلى سوريا، وتفضيلها المراهنة على قوات "قسد" التي تحمل في ثنايا مشروعها ما يطال وحدة الأرض التركية نفسها.
لقد استمدت زعامة أردوغان «في تركيا وحول العالم الإسلامي»، شرعيتها من النجاحات الاقتصادية التي حققتها، لكن تلك النجاحات لم تكن بإمكانيات تركية صرفة كما تثبت الدراسات الاقتصادية، بل بفضل مئات المليارات من الدولارات التي تدفقت على تركيا كاستثمارات وقروض أوروبية، ذلك إثر قرار أمريكي بضرورة خلق زعامة إسلامية معتدلة «بالمقاييس الغربية»: زعيم إسلامي زوجته محجبة، لكنه لا يمانع من زيارة قبر "هرتزل" مؤسس الصهيونية، ومن مصافحة إرييل شارون، ومن المضي في التعاون الاقتصادي وحتى العسكري مع إسرائيل، ثم يكتفي إثر حصار غزة، بمجرد الصراخ في وجه بيريز، فيكسب الشعبية في العالم العربي، دون أن يبادر إلى إجراء عملي كقطع العلاقات الدبلوماسية وسحب الاعتراف بالكيان الصهيوني، أو حتى تقليص العلاقات الاقتصادية به.
القرار الأمريكي بخلق زعامة إسلامية معتدلة لم يكن قراراً سرياً، بل قرار أذاعه "صموئيل هننغتون" مؤلف كتاب "صراع الحضارات"، الذي حاضر بالأتراك في اسطنبول عام 2002، فقال لهم: «مكانكم ليس في أوروبا، بل في سدة القيادة في العالم الإسلامي».
لذلك كان التطور والنهضة الاقتصادية التي حققتها تركيا، محدودةً بخطوط حمر، بحيث يظل نمو الاقتصاد التركي مرتبطاً بالقرار الأمريكي، ويبقى محظوراً على تركيا بناء قوةٍ عسكرية من خارج المنظومة التسليحية الغربية، فرغم امتلاكها كل الإمكانيات التكنولوجية والمالية الكافية لتمويل برامج نووية وبالستية، كالتي أنجزت مثيلاتٍ لها دولٌ في مثل حجم تركيا وأحياناً أصغر منها بكثير، وأضعف اقتصادياً وبشرياً، لم تجرؤ القيادة التركية طوال سني حكم أردوغان الطويلة على تخطي الخطوط الحمر الأمريكية تلك.
فهل يجرؤ أردوغان بعد توصيفه المعبّر ذاك لطبيعة علاقته بواشنطن، على اتخاذ تدابير جذرية تخرج تركيا من نطاق «العبودية»، وهي العلاقة التي تسمح للعبد بإبداء التذمر من حين لآخر، دون مضي عملياً بما يجر عليه غضب سيده، وإجراءاته العقابية، لعل العلاقة بالكيان الصهوني، هي ما سيكشف لنا ذلك، فإسرائيل هي «الكاشفة للعورات».
المصدر: خاص
شارك المقال: