هاون أهون من هاون
بديع صنيج
اتصل بي صديقي الذي سافر أوائل الحرب يسألني عن أخباري بعدما سمع ما سمع عن تردِّي الأوضاع الاقتصادية التي تلت انتهاء العاصمة دمشق من الهاون والتفجيرات والمفخخات والمظاهر الدامية... فما كان مني إلا أجبته: ومن قال لك أننا انتهينا منها؟
ردَّ مُستغرباً: أَلَمْ تُعلَن دمشق آمنة منذ سنة تقريباً؟
قلت له: الأمان له وجوه عديدة يا صديقي، صحيح أن منسوب الخوف لدينا من أن نلتقي ببارينا عبر هاون طائش أو شظية أو سيارة مفخخة انخفض، لكنها صدِّقني أهون ألف مرة من أن تتمعَّن في العروق النَّاشفة لعيون من تُحِبّ، إذ إن مُجرَّد تقليب وجوه البشر كما كُنّا نُقلِّب صحف الصباح، ستُشعرك وكأن شظايا الكون اخترقت روحك، ولن يطول الوقت بك قبل أن تكتشف أن كُلَّ آهٍ مكتومة في صدر أمك أو زوجتك أو أخيك أو صديقك أو جارك أو ابنك ليست إلا مُفخَّخة من العيار الثقيل، فالموت يا صديقي ليس مُضادَّاً للحياة، بل هو أن تعيش بلا أدنى قُدرة على جرجرة خيباتك إلى مثواها الأخير، ومن دون أن تتمكَّن -ولو للحظة- أن تُزيح عن كاهلك صخرة سيزيف المُعاصرة، ولا أن تستطيع تخيُّل ذاك السيزيف السوري سعيداً على قولة ألبير كامو، هذا أقسى من الموت بكثير.
قاطعني صديقي: ما لَكَ وأحاديث الموت، من يرى صُوَرَك يعتقد أنَّك قضيت لتوِّك على خمبابا وأنت في طريقك للحصول على عشبة الخلود؟
أجبته: «قُلتَ لي عشبة الخلود»، واستحوذت عليَّ نوبة ضحك هيستيرية، وأردفت: «ألم تُدرِك بعد أن معظمَ من آثروا البقاء هنا ما عادوا قادرين على شراء قليل من الأعشاب للسَلَطة فكيف بالوصول إلى عشبة الخلود؟»، ثم قلت في نفسي أن من واجبي أن أردم له بعض فجوات ذاكرته، فسألته: «هل تتذكر عندما غادرت دمشق كم كان ثمن سندويشة الفلافل؟»
أجابني: 20 ليرة والكبيرة بـ25
قلت له: الآن باتت بـ300 ليرة.
*وماذا كان سعر باكيت الحمراء الطويلة الذي تُحب، وعلبة متة الخارطة؟
-15 ليرة الحمراء والمتة بـ25.
*الآن بـ200 وعلبة المتة بـ500 ليرة، وقس على ذلك في الدواء والطبابة...، والأنكى أن أساسيات حياتية لم تعد متوفرة كالغاز والمازوت والبنزين والكهرباء، تخيَّل مجتمعاً من دون وقود، أليس كل ذلك هاونات تسقط على رؤوسنا؟
-معك حق يا صديقي
*بالتأكيد معي حق، فأنا من آكل كل تلك الهاونات ولا أتوقَّف عن عدِّها، ولذلك أقول لك: هاون أهون من هاون.
المصدر: خاص
شارك المقال: