ظهر "البغدادي".. فأين "الأب بابلو"..؟
محمود عبد اللطيف
ظهر البغدادي أخيراً وفي تسجيل فيديو ثانٍ بعد إعلانه تنصيب نفسه خليفة للمسلمين قبل 4 أعوام، وإن كان زعيم التنظيم الأكثر وحشية في تاريخ التنظيمات التكفيرية قد اعترف بنهاية تنظيمه بالصورة الهيكلية والجغرافية من خلال جملة "انتهت معركة الباغوز"، فالسؤال الأهم يدور حالياً حول مكان تواجده مع من تمكن من قيادات تنظيمه من الفرار خارج منطقة المعارك الأخيرة التي شهدها ريف دير الزور الجنوبي الشرقي، فالاعترافات المسجلة للقيادي في التنظيم "صدام الجمل" المعتقل لدى السلطات العراقية أكدت وجود البغدادي في الأراضي السورية خلال الصيف الماضي وقبل بدء عملية القوات الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية للسيطرة على هجين.
غالباً فإن خروج البغدادي من الجيب الذي كان محاصراً فيه بالجانب السوري من قبل القوات الأمريكية و"قسد"، وفي الجانب العراقي من قبل "الحشد الشعبي العراقي"، تم غالباً من خلال صفقة قذرة ليست بالغريبة على "واشنطن"، مقارنة بالصفقة التي حصلت من خلالها على مدينة "الرقة" بعد تدميرها، وكانت وسائل الإعلام العراقي، قد أعلنت في شهر شباط الماضي عن تواجد "البغدادي" وأعوانه الأساسيين في صحراء "الأنبار" العراقية، ومن اللافت في تسجيل زعيم تنظيم "داعش"، تمويه وجوه الجالسين إلى جانبه، خلافاً للعادة مع قيادات التنظيم السابقين، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أنهم من القادة الجدد الذين يمكنهم الدخول للمدن العراقية ومناطق قسد بدون خوف، وتعد خطوة تبديل الأعوان ضرورية بعد أن وضعت القوات الأمريكية يدها على عدد من قيادات التنظيم الذين يمكن أن يقدموا معلومات دقيقة عن مكان "البغدادي"، الذي سيشكل قتله نصراً أمريكياً يوازي من وجهة نظر "البيت الأبيض" قتل "أسامة بن لادن" إن لم يكن أهم، فالأدبيات الأمريكية تنظر إلى هذه التنظيمات على أنها ترتبط بمؤسسيها كمبدئ قتل قائد الجيش في الحروب القديمة ينهي المعركة، وإن كان "البغدادي" أداة أمريكية حركت لتحقيق مصلحة ما، فإنه يدرك تماماً أن قتله يحقق المصلحة التالية لواشنطن.
لن يقدر البغدادي على إعادة تشكيل تنظيمه مجدداً في سوريا والعراق بذات السهولة التي بدأ بها نشاطه، فالبيئة السياسية والميدانية غير مناسبة لمثل هذه الخطوة، وإن كان قد أعلن في خطابه الجديد أن حرب تنظيمه ضد الخصوم ستكون من خلال عمليات الاستنزاف، فإن مباركته لتفجيرات "سيرلانكا"، التي وقعت قبل نحو أسبوعين، تشير إلى أن أرضاً جديدة للجهاد ستكون البيئة الحاضنة الجديدة لتنظيمه، وليس غريباً أن يشير إلى "السودان" و"الجزائر" خصوصاً، فكلاهما قابلتان لحدوث الكوارث إذا ما تصاعد التدخل الخارجي، وإن كانت "السودان" تعاني من انتشار الفقر الذي قد يجعل من "لقمة الخبز"، طعماً سهلاً لاستقطاب الشباب وإشعال البلاد بحروب قبائلية على أساس ديني فإن جنوب الجزائر مازال يشهد انتشاراً للتطرف الديني الذي قد يدفع الشباب للانخراط في صفوف تنظيم "البغدادي" لإشعال حربهم مجدداً ضد الدولة الجزائرية التي عاشت عشرية سوداء انتهت على يد الرئيس المستقيل "عبد العزيز بوتفليقة".
احتمال وجود البغدادي في "إدلب" محض خيال ما لم تتم مصالحة من نوع ما بينه وبين "أبو محمد الجولاني" زعيم تنظيم "جبهة النصرة"، وتواجده بشكل سري في المحافظة أمر مستبعد لأن البيئة الجهادية في "إدلب" خطرة بالنسبة للبغدادي كونها تعج بالمنافسين الذين تجمعهم به ثارات شخصية كالأردني "أبو ماريا القحطاني"، وكل من كفرهم التنظيم في وقت سابق وأخرجهم بالقوة من مناطق انتشارهم سابقا في "دير الزور"، و"الرقة" وأفقدهم تجارة النفط، لكن السؤال الأهم الذي يولده ظهور البغدادي يبحث عن مصير الأب الإيطالي "بابلو دالوليو"، والصحفي البريطاني "جون كانتلي"، اللذين سربت"قسد" معلومات عن وجودهما في "باغوز فوقاني" قبل أن تدخلها، ثم أطبق الصمت على الملف بمجرد سيطرة القوات الأمريكية و"قسد" على أخر معاقل التنظيم، وهنا السؤال يأخذ نحو احتمالين، الأول أن الأب الإيطالي قتل حين دخوله "الرقة"، وانتهى الأمر وما كان ذكره إلا لغاية إعلامية أرادتها واشنطن لكسب تأييد الرأي العام العالمي لغاراتها التي افضت لمذبحة بحق المدنيين، أو أن "بابلو دالوليو"، حي بالفعل وتمكن البغدادي من إخراجه من الباغوز كورقة لضمان حياته طيلة الطريق، وسيشكل مثل هذا الاحتمال فضيحة جديدة للإدارة الأمريكية التي تنفي في كل مناسبة تفاوضها مع "داعش"، أما الصحفي "كانتلي"، فقد ظهر في أكثر من تسجيل فيديو دعائي لـ"داعش" في أوقات سابقة، ويبدو أنه بات من القيادات الفاعلة في التنظيم.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: