كيف حرس أهالي "الرقة" إرثهم الثقافي ؟!

استعادت مديرية الثقافة بـ"الرقة" وبالتعاون مع المواطنين عدداً من المكتبات في الريف "المحرر" بعد أن خبأها الأهالي عن تنظيم "داعش" بالرغم من المخاطر التي يشكلها اقتناء الكتاب أثناءَ هيمنة هذه المجموعات على "ريف الرقة".
وقال "محمد العبدون" مدير ثقافة الرقة لـ"جريدتنا": «لأن الكتاب والقارئ والفكر والإنسان من أهم الأهداف التي سعت المجموعات المسلحة إلى تدميرها ودفنها لنشر ثقافتي الموت والقتل الدخيلتين على المجتمع السوري، قام عدد من أهالي الرقة بجمع الكتب من المكتبات الثقافية وخبأوها في أماكن آمنة لحمايتها من الحرق و الإتلاف».
وأضاف "العبدون": «استطعنا استعادة نحو 7000 كتاب في ريف الرقة المحرر بعد أن تواصل معنا الأهالي وأبلغونا بأماكنها، ومنها كتب قيّمة جداً بعضها بحالة جيدة وبعضها يحتاج للترميم البسيط».
رئيس تحرير "مجلة قلم رصاص الثقافية" فراس الهكار قال لـ"جريدتنا": «أهم المكتبات العامة في مدينة الرقة، مكتبة دار الأسد للثقافة، والتي كانت تضم ما يزيد عن ٣٦ ألف كتاب، إضافة إلى العديد من المخطوطات التاريخية والمراجع الهامة، واللوحات التشكيلية، أما المكتبات الخاصة فأهمها مكتبة بورسعيد (الخابور) وهي أقدم مكتبات الرقة، افتتحت في عام (١٩٥٧)، وظلت مستمرة في العمل حتى أحرقها تنظيم "داعش" قبل سنوات، وهي أقدم من مكتبة دار الأسد للثقافة، وتُعتبر مركزاً ثقافياً مُصغراً، وأُعيد تجديدها وتأثيثها موخراً بعد خروج "التنظيم" من الرقة».
وأضاف الهكار: «في الرقة مكتبات شخصية كثيرة لدى بعض المثقفين والأدباء والمهتمين بالثقافة والأدب، أحرق بعضها، ودُمر بعضها الآخر، وبيع بعضها، ودُفن بعضها تحت الأرض، منها مكتبة الأديب الصحفي تركي رمضان، فقد تعرض للمضايقات بشأنها فباعها بعد أن تخلص من الكتب التي حظرها التنظيم، وهناك مكتبات نجت، وأهمها مكتبة الدكتور عبد السلام العجيلي التي تضم آلاف الكتب والوثائق التاريخية الهامة، ومكتبة الباحث علي السويحة».
وتحدث "رشيد الحميد" أحد الذين أخفوا الكتب عن "داعش": «استطعت أنا وعدد من الأهالي حماية نحو 1500 كتاب وأخفيناها في ثلاثة أماكن مختلفة من قرية "غرناطة 40 كم شرق الرقة" في البداية نقلناها ليلاً وأخفيناها في منازلنا، لكن بعد اشتداد قبضة "التنظيم" ومداهمته للبيوت، أصبح الاحتفاظ بالكتب صعب جداً لأن ذلك يودي بحياتنا في حال اكتشفها التنظيم».
ويضيف "الحميد": « تواصلت مع الغيورين على الثقافة والكتاب واتفقنا على إخفائها في أحد الأقبية المدرسية، ومن ثم إغلاق الباب بالإسمنت وإخفاء دلائل وجود قبو في المكان، كل هذه الخطوات كنا نقوم بها ليلاً ولمدة شهر تقريباً حتى اكتمل العمل».
بدوره، يقول مدير ثقافة الرقة" محمد العبدون" لـ"جريدتنا": «عدد من الكتب - يُقدّر بالآلاف- ما زالت لدى الأهالي على أمل استعادتها حين عودتهم من المناطق التي لجأوا إليها داخل سوريا وخارجها، وهناك عدد آخر من الكتب في المناطق التي تسيطر عليها "قسد" وتواصل معنا عدد من الأهالي في تلك المناطق وأخبرونا بذلك».
القابض على الكتاب كالقابض على الجمر، وقد يدفع الإنسان روحه لأجل كتاب أو كتيب، أو حتى حرف، ومع ذلك استطاع أهالي الرقة الحفاظ على مكتباتهم وكتبهم، وإبعادها عن سطوة مغول العصر، وتجاوت الكتب التي تم استعادتها الـ10 آلاف كتاب في المكتبات العامة ومثلها في المكتبات الخاصة والمنزلية والمخطوطات النادرة.
وعمل تنظيم "داعش" أثناء سيطرته على الرقة على طمس كل معالم الثقافة والأدب بالمحافظة، ثم أتى "التحالف الدولي" ليكمل المهمة التي عجز التنظيم عن إنجازها وحول المكتبات والمسارح إلى فُتات متناثرة اختلط فيه الحبر والدم في مشهد يشبه ما قام به المغول في العصور المنصرمة.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: