طباخ السم يرفض أن تتذوقه بلاده
فارس الجيرودي
كان لافتاً أمس دخول ما اصطلح على تلقيبه بـ«عراب الربيع العربي» على خط الأزمة في الجزائر، محرضاً المتظاهرين على تصعيد الاحتجاجات، إنه "برنارد هنري ليفي" اليهودي الفرنسي الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية، والمرشح السابق لمنصب رئيس "إسرائيل"، والذي سبق له أن شوهد في يوغسلافيا السابقة في التسعينات قبل تقسيمها، وفي جنوب السودان «قبل تقسيم السودان»، وفي ميدان التحرير بمصر يحتفل مع «ثوار يناير»، وفي بنغازي يقود الجماعات الإخوانية التي كانت تقاتل القذافي وتصفه بـ«ابن اليهودية»، كما شوهد مع ثوار الجيش الحر في سوريا، وظهر في أوكرانيا قبل تقسيمها.
لكن الشبح ليفي الذي ما يكاد يظهر بمكان حتى يحل الخراب والفتنة وتسيل الدماء حتى تبلغ الركب، سجل موقفاً معارضاً لحركة التظاهر الواسعة التي اجتاحت بلاده فرنسا، بدءاً من اوخر العام الماضي، فدعا محتجي "السترات الصفراء" للتعقل ومغادرة الميادين، وإيقاف تظاهراتهم فوراً.
موقف ليفي المتناقض هذا يختصر الفارق بين تعامل القوى المهيمنة على النظام العالمي، مع الأزمات التي تندلع في بلدان العالم الثالث النامية، وبين الأزمات التي تشتعل في دول المركز الرأسمالي، وهو يشبه الفارق بين أن تسكب الماء على النيران في مكان ما، وبين أن تسكب الزيت عليها في مكانٍ آخر، فهنري ليفي في النهاية ليس سوى أداة استخباراتية صغيرة في منظومة الهيمنة الأمريكية على العالم.
ولأنه لا يوجد مجتمع في العالم يخلو من تناقضات وآفات وأزمات وصراعات كامنة، «إلا إذا كنا نتحدث عن مجتمع اليوتوبيا أو المدينة الفاضلة»، فإن الآلة الإعلامية الضخمة التي تعمل في خدمة الولايات المتحدة ووكلائها الإقليميين، لن تعجز في إيجاد الثغرات التي تتسلل منها رواياتها التحريضية، التي تهدف لتصعيد الصراعات، وصولاً لزرع البلد المستهدف بالجماعات المتطرفة، وتفتيته.
لذلك يبدو تفسير حالة الفوضى والحروب المتنقلة التي اجتاحت فجأةً العالم العربي منذ عام 2011 بالأسباب الداخلية وحدها، تفسيراً ساذجاً لو افترضنا حسن نوايا مطلقيه، ومتواطئاً لو نحينا حسن النوايا جانباً، كما أنها ليست صدفةً أن تتقاطع البلدان الثلاثة التي تم تصعيد أزماتها مؤخراً «السودان،فنزويلا، الجزائر»، في امتلاكها ثروات غازية ونفطية ضخمة، و في وقوعها نسبياً خارج النفوذ المباشر الذي تفرضه القواعد العسكرية الأمريكية في بلدان أخرى، استثنيت من موجات الربيع العربي المدمرة، وبينما أحرقت الفوضى و الجماعات المتطرفة الأخضر واليابس في ليبيا، استمر تدفق ثروات البلاد النفطية بسلاسة ملفتة نحو البلدان الغربية.
ما سبق لا يعني تبرئة الأنظمة المستهدفة من مسؤولية ارتكاب الخطايا التي تسهل نجاح مشاريع صناع «الفوضى الخلاقة»، ولا يعني أيضاً إدانة المحتجين الذين يحمل معظمهم بطبيعة الحال نوايا حسنة تجاه مستقبل بلادهم، لكن الطريق إلى الجحيم مفروش عادةً بالنوايا الحسنة.
شارك المقال: