الحرب العالميّة بين الدعاية والتطبيق
جولي درويش
ينظر لما حوله من ركام الحرب ينصت لأصوات المدافع، يؤلمه انقطاع أبسط مقوّمات الحياة في ظلّ التعايش مع مفرزات الحرب الاقتصادية بعد العسكرية
ينهض من واقعٍ متردٍّ ليستقي من عمق العتمة نور يبثّه على الجمهور المتعطّش لفسحة أمل.. فللحقيقة أوجه لا حصرَ لها وللحدثِ ضورٌ تُؤخذ من زوايا عدّة، هنا حيث يقع الإعلامي بين نار الحقيقة وجليد اليأس وما ينعكس على روحه الإعلامية سلباً، فكيف يمكن أن نضعه في إطار الموجِّه لرسالة مُحبِطة على الرغم من واقعيتها ودخوله معترك الحقيقة، إلَّا أنّه وبالمقابل يأخذ دور الجندي المحارب بالكلمة وعلى هذا فلا بدَّ من بث الروح المعنويّة العالية لديه ليتمكن من نقلها إلى الجماهير وخصوصاً في حالات الحرب التي تستدعي المواجهة النفسيّة قبل الجسديّة، وعليه لا بدّ من التوجه إلى علم قائم بحدِّ ذاته، يمتد ليشمل الدعاية والإعلام في المجالات السياسيّة والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، قادر على تحليل مضامين النصوص الإعلامية وصورها للتوصّل إلى نتائج ملموسة تكشف خلفيات الأحداث والقرارات والتصريحات على المستوى الدولي والعالمي، وربطه بالمحلّي من خلال العلاقة الوثيقة بين السياسات الخارجية وتأثيراتها على الداخليّة،
ربما هذا العلم يندرج تحت مسمّى "السيميولوجيا" (علم الإشارات والرموز) إذاً ما علاقته بالحياة السياسية وغيرها من المجالات
علم الإشارات والرموز هو السلاح الأشد فتكاّ في القرن الواحد والعشرين، لقدرته على سلب الأرض واستردادها، وهو ما يستخدمه العدو مذ البداية ونبقى نحن عاجزين عن تطبيقه في أوطاننا العربية لجهلنا به، وعدم إدراك أهميته وتأثيره على حياتنا بكافّة المجالات، فمثلاً إذا تطرقنا إلى الدعاية وبث الرسائل ومن الممكن الإشاعات حيث رأينا خلال حرب العراق كيف تمكّنت الولايات المتّحدة الأمريكية من إسقاط المطار إعلاميّاً واحتلال بغداد، عندها أُحبِطت معنويات الجيش العراقي، واستسلم أمام هذا الخبر الواهي عن الصحة
وعلى إثره أُسقِطَ المطار واحتلَّت العراق بالفعل، إذاً العدو يدرك تماماً أهميّة الشائعات للتحكّم في روح الشعوب المضلّلة بدون ركائز أساسيّة توجّهها عن طريق الحكومة والذي يعد الإعلام جزء أساسي منها، فاللجوء إلى علم يستطيع التعامل مع هذه المواضيع أمر هام جداً في فترات الحروب وما يسبقها، لمعرفة واستشراف سياسات الدول في فيما بعد، فمن خلال التحليل النقدي للمنهج "السيميولوجي" نستطيع كشف الجوانب المخفيَّة في المنهجيَّة السياسيّة للدول لإظهارها ومعرفة كيفيّة التعامل معها
وعليه، فالسيميوطيقيا "هي لعبة التفكيك والتركيب تبحث عن سنن الاختلاف ودلالاته. فعبر التعارض والاختلاف والتناقض والتضاد بين الدوال اللغوية النصية يكتشف المعنى وتستخرج الدلالة. ومن ثم، فالهدف من دراسة النصوص سيميوطيقيا وتطبيقيا هو البحث عن المعنى والدلالة واستخلاص البنية المولدة للنصوص منطقيا ودلاليا"
نستطيع مثلاً تحليل حادثة "انهيار برج التجارة العالمي" من خلال هذه العبارة بحسب المنهج النقدي الحديث وبشكلٍ مبسَّط
نحلل النص إلى رموز:
برج/ يرمز للقوّة والعظّمّة والعُليّ.
التجارة/ رمز الاقتصاد الذي يشكل هاجساً لكافة دول العالم.
العالمي/ ينقل من المحلِّيّة إلى العالمية.
انهيار/ رمز السقوط.
وإذا ربطنا بين هذه الرموز بعد تفكيك النص نعيد تركيب المعنى لنتوصّل إلى ان هذا التفجير هو مساس ليس فقط بكيان أمريكا وحسب وإنما للعالم بأسره وهي ذريعة جاهزة لدخول أفغانستان حيثُ يتمركز تنظيم القاعدة وطالبان بحجّة القضاء عليهما ومن ثم احتلال بقية الدول مثل العراق وفي وقتنا الراهن بسوريا بحجّة القضاء على الإرهاب.
واستهداف رمز كالبرج العالمي للتجارة ينعكسُ بشكل لا عقلاني على اللاوعي لدى الجميع (بصورة غير مباشرة)
أما مؤخراً لنأخذ العدوان الإسرائيلي على سوريا وتصريح مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة "الدكتور بشار الجعفري" بعد العدوان على مطار دمشق.
في البداية كانت مرحلة عدوان وصد وبعد التصريح انتقلنا إلى مرحلة الرد.
فالدال هي الصواريخ وأما المدلول فهو غطرسة العدو وشعوره بفائض قوة، ومن الممكن رغبته بمعرفة ما تملك سوريا من صواريخ، واكتشاف طريقة التفكير، ووصولنا لمرحلة الرد هي النتيجة الممكنة للعدوان.
وبالنهاية نستطيع القول أن الحرب العالميّة بين الدعاية والتطبيق، فهناك احتمالية لحربٍ مقبلة بين الدول وهي تمهيد للعالميّة، ومن هنا تأتي أهمية الإعلام في التخفيف من وطأة الحروب على الشعوب والتحكم بسياق الأحداث لصالحنا.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: